الصادق وما أنطق به ألسن العباد وما أرسل به الرسل
______________________________________________________
السماء ، تطلب الغيث ، وقال الرازي في المطالب العالية : رأيت في بعض الكتب أن في بعض الأوقات اشتد القحط وعظم حر الصيف ، والناس خرجوا للاستسقاء فما أفلحوا قال : فخرجت إلى بعض الجبال فرأيت ظبية جاءت إلى موضع كان في الماضي من الزمان مملوء من الماء ، ولعل تلك الظبية كانت تشرب منه ، فلما وصلت الظبية إليه ما وجدت فيه شيئا من الماء ، وكان أثر العطش الشديد ظاهرا عليها ، فوقفت ورفعت رأسها إلى السماء مرارا فأطبق الغيم ونزلت الأمطار الغزيرة حتى ملأت الغدير ، فشربت الماء وذهبت.
الثالث : أن يكون المراد به اختلاف الأصوات أو اللغات واللهجات المختلفة كما قال سبحانه ( وَمِنْ آياتِهِ ). ( اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) (١).
الرابع : أن يكون المراد به الدلائل والبراهين التي يجريها الله تعالى على ألسن العباد.
قوله عليهالسلام وما أرسل به الرسل : هذا يحتمل وجهين : الأول : أن يكون المراد به الشرائع الحقة المشتملة على الحكم والمصالح التي لا تحصى ، وبها تنتظم أمور الدين والدنيا ، فإن من تأمل في خصوصيات الشرع وقوانينه في العبادات والمعاملات والحدود والمواريث والأحكام والآداب والأخلاق ، ومعاشرة أصناف الناس بعضهم بعضا وغير ذلك ، علم بديهة أن مثل هذا خارج عن طوق البشر ، والحكماء السالفة في الأزمنة المتطاولة بذلوا أفكارهم في ذلك بجهدهم ، ولم يأتوا بشيء يمكن به سياسة فرية ، وإنما ذكروا أحكاما كلية من حسن العدل وقبح الجور والفساد وأمثال ذلك مما يحكم به عقل جميع الناس ، والحق أنه كما أن عالم الوجود وانتظامه يدل على وجود الصانع ووحدته فكذا انتظام أحوال النشأتين بتلك الشرائع الحقة والنواميس الإلهية أدل
__________________
(١) سورة الروم : ٢٢ ، والآية هكذا : ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ).