أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا فأقول إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى قال له السائل فما هو قال أبو عبد الله عليهالسلام هو الرب وهو المعبود وهو الله
______________________________________________________
الغير الذي هو السائل ثم عبر عليهالسلام بعبارة أخرى لفهم السائل ورفع (١) فقال فأقول إنه سميع بكله ، ولما كان هذا موهما أن له سبحانه بعضا وجزءا نفى ذلك الوهم بقوله لا أن الكل منه له بعض وهو مجتمع من الأبعاض ، بل المراد كونه سميعا بحقيقته وذاته ، الواحدة البسيطة لا غير المنقسمة والمتكثرة ثم أوضح عليهالسلام ذلك بوجه آخر فقال : وليس مرجعي أي في كلامي إلا إلى كونه سميعا بصيرا ، ومرجع السمع والبصر فيه إلى كونه عالما خبيرا بالمسموع والمبصر كعلم السامع البصير منا لكن لا بآلة وجارحة بل بلا اختلاف الذات بالأجزاء ولا اختلاف المعنى ، أي الصفة للذات أو للصفة لما تحقق من امتناع اختلاف جهتي القابلية والفاعلية والإمكان والوجوب في المبدأ الأول جل شأنه.
قال الفارابي : إنه تعالى وجود كله ، وجوب كله ، علم كله ، قدرة كله ، حياة كله ، إرادة كله ، لا أن شيئا منه علم ، وشيئا آخر قدرة ، فيلزم التركيب في ذاته ، ولا أن شيئا فيه علم وشيئا آخر فيه قدرة ، ليلزم التكثير في صفاته.
قوله : فما هو؟ أي إذا تفردت ذاته سبحانه عن سائر الأشياء بحيث لا يشاركه شيء لا في الذات ولا في الصفات فما هو؟ وبأي شيء تعرف ذاته؟ فإن التعريف إنما يكون بالحدود وإما بالرسوم ، وإذ ليس بذي أجزاء فلا حد له ، وإذ ليست له صفة لازمة ولا خاصية زائدة ، فلا رسم ، والجواب : أن التعريف غير منحصر في هذين الوجهين ، بل قد يعرف الشيء بآثاره وأفعاله كما في القوي ، حيث تعرف بأفاعيلها ، فقوله : هو الرب « إلخ » إشارة إلى ذلك ، فإنا إذا رأينا المربوبات علمنا أن لها ربا ، ولما
__________________
(١) كذا في النسخ واستظهر من هامش نسخة « ب » أنّ الأصل « ورفع توهمه ».