______________________________________________________
لا تعرفوا الرسول بما يخرج به عن الرسالة إلى درجة الألوهية ، وكذا الإمام.
« الثاني » أن يكون المراد بما يعرف به ما يعرف باستعانته من قوي النفس العاقلة والمدركة وما يكون بمنزلتها ، ويقوم مقامها ، فمعنى اعرفوا الله بالله ، اعرفوه بنور الله المشرق على القلوب بالتوسل إليه والتقرب به ، فإن العقول لا تهتدي إليه إلا بأنوار فيضه تعالى ، واعرفوا الرسول بتكميله إياكم برسالته ، وبمتابعته فيما يؤدي إليكم من طاعة ربكم فإنها توجب الروابط المعنوية بينكم وبينه ، وعلى قدر ذلك يتيسر لكم من معرفته ، وكذا معرفة أولي الأمر إنما تحصل بمتابعتهم في المعروف والعدل والإحسان ، وباستكمال العقل بها ، وروى الصدوق في التوحيد بإسناده عن هشام بن سالم قال : حضرت محمد بن النعمان الأحول وقام إليه رجل فقال له : بما عرفت ربك؟ قال : بتوفيقه وإرشاده وتعريفه وهدايته ، قال : فخرجت من عنده فلقيت هشام بن الحكم فقلت له : ما أقول لمن يسألني فيقول لي : بم عرفت ربك؟ فقال : إن سأل سائل فقال : بم عرفت ربك؟ قلت : عرفت الله جل جلاله بنفسي لأنها أقرب الأشياء إلى ، وذلك لأني أجدها أبعاضا مجتمعة وأجزاء مؤتلفة ظاهرة التركيب ، مبينة الصنعة مبنية على ضروب من التخطيط والتصوير ، زائدة من بعد نقصان وناقصة بعد زيادة قد أنشأ لها حواس مختلفة وجوارح متباينة من بصر وسمع وشام وذائق ولامس ، محصولة على الضعف والنقص والمهانة ، لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها ، ولا تقوى على ذلك ، عاجزة عن اجتلاب المنافع إليها ، ودفع المضار ، واستحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له ، وثبات صورة لا مصور لها ، فعلمت أن لها خالقا خلقها ومصورا صورها مخالفا في جميع جهاتها ، قال الله تعالى : ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) (١).
« الثالث » أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلة والحجج ، فمعنى اعرفوا الله بالله أنه إنما تتأتى معرفته لكم بالتفكر فيما أظهر لكم ، من آثار صنعه
__________________
(١) سورة الذاريات : ٢١.