______________________________________________________
أي هذا النور بعد تشعبه ، بأي بدن تعلق وكمل فيه يكون ذلك الشخص أحب الخلق إلى الله تعالى ، وقوله : « إياك آمر » التخصيص إما لكونهم صلوات الله عليهم مكلفين بما لم يكلف به غيرهم ، ويتأتى منهم من حق عبادته تعالى ما لا يتأتى من غيرهم ، أو لاشتراط صحة أعمال العباد بولايتهم ، والإقرار بفضلهم بنحو ما مر من التجوز ، وبهذا التحقيق يمكن الجمع بين ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن أول ما خلق الله نوري ، وبين ما روي : أن أول ما خلق الله العقل ، وما روي أن أول ما خلق الله النور ، إن صحت أسانيدها ، وتحقيق هذا الكلام على ما ينبغي يحتاج إلى نوع من البسط والإطناب ولو وفينا حقه ، لكنا أخلفنا ما وعدناه في صدر الكتاب.
وأما ما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع بإسناده عن أمير المؤمنين عليهالسلام أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل مما خلق الله عز وجل العقل؟ قال : خلقة ملك له رؤوس بعدد الخلائق ، من خلق ومن يخلق إلى يوم القيامة ، ولكل رأس وجه ولكل آدمي رأس من رؤوس العقل ، واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب ، وعلى كل وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتى يولد هذا المولود ، ويبلغ حد الرجال أو حد النساء ، فإذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور ، فيفهم الفريضة والسنة والجيد والرديء ، ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت.
فهو من غوامض الأخبار ، والظاهر أن الكلام فيه مسوق على نحو الرموز والأسرار ، ويحتمل أن يكون كناية عن تعلقه بكل مكلف وأن لذلك التعلق وقتا خاصا وقبل ذلك الوقت موانع عن تعلق العقل من الأغشية الظلمانية ، والكدورات الهيولانية ، كستر مسدول على وجه العقل ، ويمكن حمله على ظاهر حقيقته على بعض الاحتمالات السالفة ، وقوله : خلقة ملك ، لعله بالإضافة أي خلقته كخلقة الملائكة في لطافته وروحانيته ، ويحتمل أن يكون خلقه مضافا إلى الضمير مبتدأ ، وملك خبره ، أي خلقته خلقة ملك ، أو هو ملك حقيقة والله يعلم.