يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر أما تستحون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر قال أبو قرة فإنه يقول ـ ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) فقال أبو الحسن عليهالسلام
______________________________________________________
قوله : أن ترميه أي الرسول « بهذا » أي بالنقيضين وتبليغ المتنافيين ، وأن يكون « إلخ » بدل لهذا ، وإرجاع الضمير إلى الله بعيد جدا ، واعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات. قوله تعالى ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) يحتمل كون ضمير الفاعل في « رأي » راجعا إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، وإلى الفؤاد ، قال البيضاوي ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) ببصره من صورة جبرئيل أو الله ، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ، ثم ينتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رأى لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره ، أو ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا ، ويدل عليه أنه سئل عليهالسلام هل رأيت ربك؟ فقال : رأيته بفؤادي وقرئ ما كذب ، أي صدقه ولم يشك فيه ( أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ) أفتجادلونه عليه من المراء وهو المجادلة « انتهى ».
قوله تعالى ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) (١) قال الرازي يحتمل الكلام وجوها ثلاثة الأول : الرب تعالى ، والثاني : جبرئيل عليهالسلام ، والثالث : الآيات العجيبة الإلهية « انتهى » ولقد رءاه نازلا نزلة أخرى ، فيحتمل نزوله عليهالسلام ونزول مرئيه ، فإذا عرفت محتملات تلك الآية عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه :
« الأول » [ أنه ] يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين عليهالسلام إلى هذا الوجه في جواب الزنديق المدعي للتناقض في القرآن على ما رواه الطبرسي (ره) في الاحتجاج ، حيث قال عليهالسلام : وأما قوله : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) يعني محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عز وجل ، وقوله في آخر الآية ( ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ، لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) رأى جبرئيل عليهالسلام في صورته مرتين
__________________
(١) كذا في النسخ.