ضده فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول
______________________________________________________
على امتناعه فهو كاف في إثبات المطلوب إلا أن يقال : إنما أورد هكذا تكثيرا للفساد وإيضاحا للمراد ، أو يقال لعله عليهالسلام كان بين للسائل امتناع الرؤية بالدلائل ، فلما ذكر السائل ما ترويه العامة في ذلك ، بين امتناع وقوع ما ثبت لنا بالبراهين امتناعه وآمنا به بهذا الوجه.
الثاني : أن حاصل الدليل أن المعرفة من جهة الرؤية غير متوقفة على الكسب والنظر ، والمعرفة في دار الدنيا متوقفة عليه ، ضعيفة بالنسبة إلى الأولى فتخالفتا ، مثل الحرارة القوية والحرارة الضعيفة ، فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة من جهة الكسب إيمانا كاملا لأن المعرفة من جهة الرؤية أكمل منها ، وإن لم يكن إيمانا يلزم سلب الإيمان عن الرائين لامتناع اجتماع المعرفتين في زمان واحد في قلب واحد ، يعني قيام تصديقين أحدهما أقوى من الآخر بذهن واحد ، وأحدهما حاصل من جهة الرؤية والآخر حاصل من جهة الدليل ، كما يمتنع قيام حرارتين بماء واحد في زمان واحد ، ويرد عليه النقض بكثير من المعارف التي تعرف في الدنيا بالدليل ، وتصير في الآخرة بالمعاينة ضرورية ويمكن بيان الفرق بتكلف.
الثالث : ما حققه بعض الأفاضل بعد ما مهد من أن نور العلم والإيمان يشتد حتى ينتهي إلى المشاهدة والعيان ، لكن العلم إذا صار عينا لم يصر عينا محسوسا ، والمعرفة إذا انقلبت مشاهدة لم تنقلب مشاهدة بصرية حسية ، لأن الحس والمحسوس نوع مضاد للعقل والمعقول ، ليس نسبة أحدهما إلى الآخر نسبة النقص إلى الكمال والضعف إلى الشدة ، بل لكل منهما في حدود نوعه مراتب في الكمال والنقص ، لا يمكن لشيء من أفراد أحد النوعين المتضادين أن ينتهي في مراتب استكمالاته واشتداده إلى شيء من أفراد النوع الآخر ، فالإبصار إذا اشتد لا يصير تخيلا مثلا ، ولا التخيل إذا اشتد يصير تعقلا ولا بالعكس ، نعم إذا اشتد التخيل تصير مشاهدة ورؤية