ولا تزول في المعاد فهذا دليل على أن الله عز وجل لا يرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه.
٤ ـ وعنه ، عن أحمد بن إسحاق قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث ع أسأله
______________________________________________________
بعين الخيال لا بعين الحس ، وكثيرا ما يقع الغلط من صاحبه أنه رأى بعين الخيال أم بعين الحس الظاهر كما يقع للمبرسمين والمجانين وكذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية ورؤية عقلية لا خيالية ولا حسية ، وبالجملة الإحساس والتخيل والتعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها في عالم آخر من العوالم الثلاثة ويكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى الآخر.
فإذا تمهد هذا فنقول : اتفق الجميع على أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري ، وأن رؤية الشيء متضمنة لمعرفته بالضرورة ، بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة فإن من رأى شيئا فقد عرفه بالضرورة ، فإن كان الإيمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها الإدراك البصري والرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للإنسان من جهة الاكتساب بطريق الفكر والنظر إيمانا ، لأنها ضده ، لأنك قد علمت أن الإحساس ضد التخيل ، وأن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية ، فإذا لم يكن الإيمان بالحقيقة مشتركا بينهما ولا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد وغاية الخلاف بينهما ، ولا جنسا مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد والبياض ، لأن الإيمان أمر محصل وحقيقة معينة فهو إما هذا وإما ذاك ، فإذا كان ذاك لم يكن هذا ، وإن كان هذا لم يكن ذاك ، ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر.
ولا يخفى أن شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية وإما معنوية ، ولعله عليهالسلام بنى ذلك على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير من الأخبار كذلك ، والله تعالى يعلم.
الحديث الرابع : صحيح.