عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية وكان في ذلك الاشتباه لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب
______________________________________________________
قوله عليهالسلام لم ينفذه البصر : كلمة « لم » في بعض النسخ موجودة وليست في بعضها ، فعلى الأول يكون قوله لا تجوز للرؤية بيانا للمدعي ، وقوله « ما لم يكن » ابتداء الدليل ، وعلى الثاني : قوله « لا يجوز » ابتداء الدليل ، وعلى التقديرين حاصل الكلام أنه عليهالسلام استدل على عدم جواز الرؤية بأنها تستلزم كون المرئي جسمانيا ذا جهة وحيز ، وبين ذلك بأنه لا بد أن يكون بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر وظاهره كون الرؤية بخروج الشعاع وإن أمكن أن يكون كناية عن تحقق الإبصار بذلك وتوقفه عليه ، فإذا لم يكن بينهما هواء وانقطع الهواء وعدم الضياء الذي هو أيضا من شرائط الرؤية عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية بالبصر « وكان في ذلك » أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي « الاشتباه » يعني شبه كل منهما بالآخر ، يقال : اشتبها إذا أشبه كل منهما الآخر ، لأن الرائي متى ساوى المرئي وماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب بينهما في الرؤية ، وجب الاشتباه ومشابهة أحدهما الآخر في توسط الهواء بينهما ، وكان في ذلك التشبيه أي كون الرائي والمرئي في طرف الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي بالرائي ، من الوقوع في جهة ليصح كون الهواء بينهما فيكون متحيزا ذا صورة وضعية ، فإن كون الشيء في طرف مخصوص من طرفي الهواء وتوسط الهواء بينه وبين شيء آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة ، ومتحيزا وذا وضع ، وهو المراد بقوله « لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات » ويحتمل أن يكون ذلك تعليلا لجميع ما ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر وحاصله يرجع إلى ما ادعاه جماعة من أهل الحق من العلم الضروري بأن الإدراك المخصوص المعلم بالوجه الممتاز عن غيره لا يمكن أن يتعلق بما ليس في جهة ، وإلا لم يكن للبصر مدخل فيه ، ولا كسب لرؤيته ، بل المدخل في ذلك للعقل فلا وجه حينئذ