فإنما سلطانه على الهواء فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهمه فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا رجع راجعا فحكى ما في الهواء فلا ينبغي للعاقل ـ أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جل الله وعز فإنه إن فعل ذلك لم يتوهم إلا ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى الله أن يشبهه خلقه.
______________________________________________________
لها وصورها هيئات وصورا لها ، والذي جل بعز جلاله عن أن يكون له مهية صالحة للكلية أو صورة متجزية منقسمة متعال عن إحاطة القلوب به ، وإلى ذلك أشار بقوله وأما القلب فإنما سلطانه على الهواء ، أي البعد الذي يسمونه حيزا فهو يدرك جميع ما في الهوى من المتحيزات بذواتها أو صورها ، فإذا حمل القلب على إدراك ما ليس في الهواء موجودا وليس يصح عليه التحيز بذاته أو بصورة ذهنية مناسبة له لائقة به رجع راجعا عما لا سبيل له إليه إلى ما يقابله من المتحيزات ، ويحتمل أن يكون نظره مقصورا على نفي إدراكه سبحانه على النحو الجزئي بالحواس والقلب ، وأما الإدراك على النحو الكلي فمعلوم الانتفاء في حقه سبحانه ، حيث أنه يمتنع عليه سبحانه المهية الكلية ، ثم إدراك النفس ذاتها على النحو الجزئي ليس بعلم زائد وإدراكها ما يباينها إنما يكون بعلم زائد ، فلا يجوز مثله في إدراك المبائن لها ، وعلمها الزائد بذاتها إنما يكون على قياس ما ذكر ، وإذ قد تبين استحالة إدراكه بالحس والقلب فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على إدراك ما ليس موجودا في الهواء متحيزا بنحو من أنحاء التحيز من أمر التوحيد جل الله وعز من أن يكون له شبه من أحوال المتحيزات فإنه إن تكلف ذلك لم يتوهم إلا ما هو في الهواء موجود ، ولم يقع نظره إلا عليه كما قلنا في أمر البصر ، تعالى الله سبحانه أن يشبه خلقه.
ثم اعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال : فذهبت الإمامية والمعتزلة إلى امتناعها مطلقا ، وذهبت المشبهة والكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسما وذهبت الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى منزها عن المقابلة والجهة والمكان ، قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال ناقلا عن