ولا في حيزه وإدراك البصر له سبيل وسبب فسبيله الهواء وسببه الضياء فإذا كان السبيل متصلا بينه وبين المرئي والسبب قائم أدرك ما يلاقي من الألوان والأشخاص فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعا فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فإذا لم يكن له سبيل رجع راجعا يحكي ما وراءه وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعا فيحكي ما وراءه إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره فأما القلب
______________________________________________________
لا في حيز البصر الذي هو المدرك ، وأما القسمان الأولان فلا شبهة في استحالتهما في الرب تعالى ، وأما الثالث فمستحيل فيه سبحانه أيضا لأن إدراك البصر له سبيل وسبب لا بد منهما ، فسبيله الهواء أي الفضاء الخالي عما يمنع من نفوذ الغير حتى الشعاع وسببه الضياء أي شرطه يتحدث باستحالته بدونهما ، فإذا كان السبيل متصلا بينهما ولا يكون بينهما حاجب حالكون السبب الذي هو الضياء الحاصل للمرئي ، فإنما أدرك البصر ما يلاقيه بالانطباع أو الشعاع أو بهما من الألوان والأشخاص من الأجسام والأشباح ، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل فيه وكلف الرؤية رجع راجعا فلا يحكى ما كلف رؤيته بل يكون حاكيا ما وراءه ، على أنه المواجه المتوجهة إليه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة ، فإنه إذا لم يكن لبصره سبيل رجع راجعا عما كلف رؤيته ولا سبيل إليه فيحكي ما وراءه على أنه المواجه المتوجهة إليه ، وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع بصره راجعا فيحكي ما وراءه ، وقوله : إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره ، يحتمل أن يكون المراد به إذ لا سبيل للناظر إلى إنفاذ بصره ، حيث لا سبيل هنا ينفذه البصر ، ويحتمل أن يكون المراد إذ لا سبيل للناظر من جهة إنفاذ البصر ، أي لا سبيل ينفذ بصره فيه وأما الإدراك بالقلب أي الإدراك العقلاني بعلم زائد على جهة الإحاطة سواء كان على الوجه الجزئي أو الكلي فلا يحوم حول سرادق جلاله ولا يليق بكبرياء كما له ، لأن القوي النفسانية إنما تقوى على إدراك ما يغايرها من الجزئيات المحسوسة المحصورة في القوي الدراكة وموادها فهي من المتحيزات بالذات أو بالتبع ، وعلى إدراك كليات مناسبة لجزئيات مدركة بالقوى الباطنة يصح بها أن تعد هي جزئيات