قال ـ ( وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١)
يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (٢) وقال ـ ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٣) وقال ـ ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ
______________________________________________________
قوله تعالى ( وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) : صدر الآية ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) والمراد بالكتاب القرآن على تقدير أن يكون الخطاب لطائفة من المسلمين ، فإن فيه الوعيد على ترك البر والصلاح ومخالفة القول العمل ، مثل قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) أو التوراة على تقدير أن يكون الخطاب لأحبار اليهود ، فإن الوعيد المذكور موجود في التوراة أيضا كما قيل.
قوله عليهالسلام : ثم ذم الله الكثرة ، أي الكثير إطلاقا للمبدء على المشتق ، وإنما ذكر عليهالسلام ذلك ردا مما يتوهم أكثر الخلق من أن كثرة من يذهب إلى مذهب من شواهد حقيته ، أو لأنه عليهالسلام لما بين أن العقلاء الكاملين يتبعون الحق فربما يتوهم منه أنه إذا ذهب أكثر الناس إلى مذهب فيكون ذلك المذهب حقا ، لوجود العقلاء فيهم ويلزم من ذلك بطلان ما ذهب إليه الأقل كالفرقة الناجية ، فأزال عليهالسلام ذلك التوهم بأنه لا يلزم من الكثرة وجود العقلاء فيهم ، فإن أكثر الناس لا يعقلون.
قوله تعالى ( عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) أي عن دينه وشرعه في الأصول والفروع.
قوله تعالى ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) : الضمير راجع إلى كفار قريش وهم كانوا قائلين بأن خالق السماوات والأرض هو الله تعالى لكنهم كانوا يشركون الأصنام معه تعالى في العبادة.
قوله تعالى ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ) : أي على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم ، إذ لا يستحق العبادة إلا الموجد المنعم بأصول النعم وفروعها
__________________
(١) سورة البقرة : ٤٤.
(٢) سورة الأنعام : ١١٦.
(٣) سورة لقمان : ٢٥.