بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) (١) وقال ( لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً ـ إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ) (٢) و
______________________________________________________
بما قرع آذانهم ( بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) وجه الأضلية إن البهائم معذورة لعدم القابلية والشعور ، وكانت لهم تلك القابلية فضيعوها ونزلوا أنفسهم منزلة البهائم أو أن الأنعام ألهمت منافعها ومضارها ، وهي لا تفعل ما يضرها ، وهؤلاء عرفوا طريق الهلاك والنجاة وسعوا في هلاك أنفسهم ، وأيضا تنقاد لمن يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار ، ولأنها إن لم تعتقد حقا ولم تكتسب خيرا لم تعتقد باطلا ، ولم تكتسب شرا ، بخلاف هؤلاء ، ولأن جهالتها لا تضر بأحد وجهالة هؤلاء تؤدي إلى هيج الفتن ، وصد الناس عن الحق.
أقول : أو لأنها تعرف ربها ولها تسبيح وتقديس كما ورد به الأخبار ، وقيل : المراد إن شئت شبهتهم بالأنعام فلك ذلك ، بل لك أن تشبههم بأضل منها كالسباع.
قوله تعالى ( لا يُقاتِلُونَكُمْ ) نزلت في بني النضير من اليهود والذين وافقوهم وراسلوهم من منافقي المدينة ( جَمِيعاً ) أي مجتمعين ( إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ ) أي بالدروب والخنادق ، ( أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ) أي لفرط رهبتهم ( بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) أي ليس ذلك لضعفهم وجبنهم فإنه يشتد بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا بل لقذف الله الرعب في قلوبهم ، ولأن الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً ) أي مجتمعين متفقين [ غير متفرقين ] ( وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) أي متفرقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ) أي ما فيه صلاحهم وإن تشتت القلوب يوهن قواهم.
__________________
(١) سورة الفرقان : ٤٤.
(٢) سورة الحشر : ١٤.