عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (١) وقال ـ ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ) ... ـ ( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ) (٢) وقال ـ ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ
______________________________________________________
من يحذو حذوه في إلقاء الخطاب إليهم ، كمثل راعي البهائم الذي ينعق بها وهي لا تسمع إلا دعاءه ونداءه ولا تقف على شيء آخر فقد شبه الكفرة في عدم فهمهم لما يسمعون بها ، ومنهم من قدر المضاف في جانب المشبه به وقال تقديره : كمثل بهائم الذي ينعق بما لا يسمع في عدم فهم ما ألقي إليهم من الخطاب أو معناه : ومثلهم في اتباعهم آبائهم كمثل البهائم التي لا تسمع إلا ظاهر الصوت ، ولا تفهم ما تحته ، ولا يتفكرون في أن صلاحهم فيه أم لا ، وأما الذين حملوها على ظاهرها فقال بعضهم : معناها مثل الذين كفروا في دعائهم أصنامهم التي لا شعور لها بدعائهم كمثل الناعق ، فقد شبه الأصنام بالبهائم في عدم الفهم ، وتحققه فيهما وإن لم يكن متوقفا على قوله : إلا دعاء ونداء ، لكن الغرض زيادة المبالغة في التوبيخ إذ لا شبهة في أن راعي البهيمة يعد جاهلا ضعيف العقل ، فمن دعا صنما لا يسمع أصلا كان أولى بالذم ، وقال آخرون : معناه أن مثلهم في اتباع آبائهم والتقليد لهم كمثل الراعي الذي ينعق بالبهائم ، فكما أن الكلام مع البهائم عديم الفائدة كذلك التقليد ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) أي الكفار صم بكم عمي عن الحق ( فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) ، للإخلال بالنظر الموجب للعلم.
قوله تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ) : وفي القرآن ومنهم من يستمعون إليك ، أي إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكن لا يطيعونك فيها كالأصم الذي لا يسمع أصلا ، ( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ ) وتقدر على إسماعه ، ولو انضم على صممه عدم تعقله شيئا من الحق لقساوة قلبه.
قوله تعالى ( أَمْ تَحْسَبُ ) : أي بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون سماعا ينتفعون به أو يعقلون ، أي يتدبرون فيما تلوت عليهم ( إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ ) لعدم انتفاعهم
__________________
(١) سورة البقرة : ١٧١.
(٢) سورة يونس : ٤١.