ولا لعلة فلا يصح الابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء ، متوحدا بذلك لإظهار حكمته ، وحقيقة ربوبيته ، لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وكلت دونه الأبصار ، وضل فيه تصاريف الصفات.
احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، عرف بغير رؤية ، و
________________________________________________________
وكثر استعمال الاختراع في الايجاد لا بالأخذ من شئ يماثل الموجد ويشابهه ، والابتداع في الايجاد لا لمادة وعلة فقوله : لا من شئ ، أي لا بالأخذ من شئ فيبطل الاختراع ، ولا لعلة أي لمادة فيبطل الابتداع.
قوله : لإظهار حكمته ، علة للخلق أو للتوحيد ، والمعنى انه تعالى خلق الأشياء على هذا النظام العجيب والصنع الغريب ، متوحدا بذلك بدون مشاركة أحد ليستدلوا بها على علمه وحكمته ، وانه الرب حقيقة ، أو ليستدلوا على انه تعالى لم يخلق هذا الخلق عبثا ، وإن الحكمة في خلقها العبادة والمعرفة ، وأن يطيعوه ويعبدوه ، فإنه حقيقة الربوبية وما يحق لربوبيته ويلزمها ، ولعل الأول أظهر.
قوله : لا تضبطه العقول ، أي تبلغ العقول ادراكه بنحو قاصر عن الإحاطة به وضبطه ، فهو غير محدود وغير منضبط الحقيقة ، ولكنه مصدق بوجوده ، منفيا عنه جميع ما تحيط به العقول والأفهام ، ولا تبلغه الأوهام ، حيث يتعالى عن أن يحس بها ولا تدركه الابصار حيث لا صورة له ولا مثال ، ولا يتشكل بشكل ، ولا يحاد بحد ، ولا يتقدر بمقدار فقوله : ولا يحيط به مقدار ، كالتأكيد لسابقتها إن أريد بالمقدار المقادير الجسمانية ، وإن أريد به الأعم من المقادير العقلية فهي مؤكدة لسوابقها.
قوله : بغير حجاب محجوب ، المحجوب أما مرفوع أو مجرور ، فعلى الأول خبر مبتداء محذوف ، أي هو محجوب بغير حجاب ، فالجملة مستأنفة لبيان أن احتجابه ليس كإحتجاب المخلوقين ، وعلى الثاني يحتمل جره بالإضافة أي بغير حجاب يكون للمحجوبين ، أو بالتوصيف بأن يكون المحجوب بمعنى الحاجب ، كما قيل في قوله