والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس والحزم مساءة الظن وبين المرء والحكمة نعمة
______________________________________________________
قوله عليهالسلام لا تهجم عليه اللوابس : الهجوم الإتيان بغتة ، واللوابس الأمور المشتبهة ، والحاصل أن من عرف أهل زمانه وميز بين حقهم وباطلهم ، وعالمهم وجاهلهم ، ومن يتبع الحق ومن يتبع الأهواء منهم ، لا يشتبه عليه الأمور ، ويتبع المحقين ويترك المبطلين ، ولا تعرض له شبهة ، بكثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق وغلبة المبطلين وضعف المحقين.
قوله : والحزم مساءة الظن ، الحزم إحكام الأمر وضبطه والأخذ فيه بالثقة ، والمساءة مصدر ميمي ، والمراد أن إحكام الأمر وضبطه والأخذ فيه بالثقة يوجب سوء الظن ، أو يترتب على سوء الظن بأهل الزمان بعدم الاعتماد عليهم في الدين والدنيا وهذا مما يؤكد الفقرة السابقة ، « فإن قيل » : قد ورد في الأخبار أنه يجب حسن الظن بالإخوان وحمل أقوالهم وأفعالهم على المحامل الصحيحة وهذا ينافيه؟ « قلت » يحتمل الجمع بينهما بوجهين ، الأول : أن تلك الأخبار محمولة على ما إذا ظهر كونهم من المؤمنين ، وهذا على عدمه ، الثاني : أن يقال حمل أفعالهم وأقوالهم على المحامل الصحيحة لا ينافي عدم الاعتماد عليهم في أمور الدين والدنيا ، حتى يظهر منهم ما يوجب اطمئنان النفس بهم ، والوثوق عليهم ، وسيأتي بعض القول في ذلك في كتاب الإيمان والكفر.
قوله عليهالسلام بين المرء والحكمة : أقول : يحتمل هذا الكلام وجوها من التأويل إذ يمكن أن يقرأ العالم بكسر اللام وبفتحها ، ومجرورا بالإضافة ومرفوعا ، وعلى كل من التقادير يحتمل وجوها : « الأول » : ما ذكره بعض أفاضل المحشين قد سقى الله روحه ، حيث قال : لعل المراد بكون الشيء بين المرء والحكمة كونه موصلا للمرء إليها ، وواسطة في حصولها له ، كما ورد في رواية جابر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين العبد والكفر ترك الصلاة ، أي تركها موصل للعبد إلى الكفر ، والغرض أن ما أنعم الله به على العالم من العلم والفهم والصدق على الله ، واسطة للمرء توصله إلى