العالم والجاهل شقي بينهما.
______________________________________________________
الحكمة ، فإن المرء إذا عرف حال العالم أتبعه وأخذ منه ، فيحصل له الحكمة ومعرفة الحق والإقرار به والعمل على وفقه ، وكذا بمعرفة حال الجاهل ، وأنه غير عالم فهم صادق على الله يترك متابعته ، والأخذ منه ويسعى في طلب العالم ، فيطلع عليه ويأخذ منه ، فالجاهل باعتبار سوء حاله باعث بعيد لوصول المرء إلى الحكمة ، وهو شقي محروم يوصل معرفة حاله المرء إلى سعادة الحكمة ، وهذا الكلام كالتفسير والتأكيد لما سبقه ، ويحتمل أن يحمل البينية في الأول على التوسط في الإيصال ، وفي الثاني على كون الشيء حاجزا مانعا من الوصول ، فالجاهل شقي مانع من الوصول إلى الحكمة ، ثم قال : ولا يبعد أن يقال : المراد بنعمة العالم ، العالم نفسه ، والإضافة بيانية أو يكون العالم بدلا من قوله : نعمة ، فإن العالم أشرف ما أنعم الله بوجوده على عباده.
الثاني ما ذكره بعض أفاضل الشارحين أيضا حيث قال : لعل المراد به أن الرجل الحكيم من لدن عقله وتميزه إلى بلوغه حد الحكمة متنعم بنعمة العلم ونعيم العلماء فإنه لا يزال في نعمة من أغذية العلوم وفواكه المعارف ، فإن معرفة الحضرة الإلهية لروضة فيها عين جارية وأشجار مثمرة قطوفها دانية ، بل جنة عرضها كعرض السماء والأرض ، والجاهل بين مبدء أمره ومنتهى عمره في شقاوة عريضة ، وطول أمل طويل ، ومعيشة ضنك وضيق صدر وظلمة قلب ، إلى قيام ساعته ، وكشف غطائه ، وفي الآخرة عذاب شديد « انتهى كلامه » وهو مبني على الإضافة.
الثالث ما ذكره الوالد العلامة نقلا عن مشايخه العظام قدس الله أرواحهم : وهو أن يقرأ نعمة بالتنوين ويكون العالم مبتدأ والجاهل معطوفا عليه ، وشقي خبر كل منهما ، والضمير في بينهما راجع إلى المرء والحكمة ، والحاصل أن الذي يوصل المرء إلى الحكمة هو توفيق الله تعالى وهو من أعظم نعمه على العباد ، والعالم والجاهل يشقيان ويتعبان بينهما ، فمع توفيقه تعالى لا يحتاج إلى سعي العالم ولا يضر منع