بلوغ كنهه ، وذهلت العقول أن تبلغ غاية نهايته ، لا يبلغه حد وهم ، ولا يدركه نفاذ بصر ، وهو السميع العليم ، احتج على خلقه برسله ، وأوضح الأمور بدلائله ، وابتعث الرسل مبشرين ومنذرين ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه ، فيعرفوه بربوبيته بعدما أنكروه ، ويوحدوه
________________________________________________________
قوله : عن بلوغ كنهه ، لأنه تعالى ليس بمركب وما ليس بمركب لا يمكن إدراك كنهه.
قوله : غاية نهايته ، الغاية تطلق على المسافة وعلى نهايتها والأول هنا أظهر ، أي لا تبلغ العقول إلى مسافة تنتهي إلى نهاية معرفته فكيف إليها ، والحمل على الثاني بالإضافة البيانية بعيد.
قوله : حدوهم ، أي حدة الأوهام ، أو نهاية معرفة الأوهام.
قوله : نفاذ بصر ، قال الجوهري نفذ السهم من الرمية ونفذ الكتاب إلى فلان ورجل نافذ في أمره أي ماض ، والكل محتمل.
قوله : بدلائله ، أي أوضح كل أمر بدليل نصبه عليها كوجوده وكمال ذاته بما أوجد في الآفاق والأنفس من آياته ، والرسل والحجج عليهم السلام بالمعجزات والأحكام الشرعية بما بين في الكتاب والسنة.
قوله : وابتعث الرسل ، الابتعاث الإرسال كالبعث.
قوله : ليهلك ، قال البيضاوي : المعنى ليموت من يموت عن بينة عاينها ، ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها ، لئلا تكون لهم حجة ومعذرة أو ليصدر كفر من كفر وايمان من آمن عن وضوح بينة ، على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام ، والمراد بمن هلك ومن حي : المشارف للهلاك والحياة ، أو من هذا حاله في علم الله وقضائه ، وقيل : يحتمل أن يكون من باب المجاز المرسل لأن الكفر سبب للهلكة الحقيقية الأخروية ، والايمان سبب للحياة الحقيقية الأبدية ، فأطلق المسبب على السبب مجازا.
قوله : عن ربهم ، أي بتوسط الرسل.