مالك الغنم لم يأذن له بذلك وحينئذٍ أراد ذلك الشخص أن يدبر له عذراً كاذباً ليعتذر به لسيده إذا لبى طلبه وباعه ما أراد شراءه منه وهو أن يخبره بأن الذئب سطا على القطيع وأخذ رأساً منه وأراد إغراءه بالمادة ليوافقه على إجابة طلبه وذلك بإعطائه الثمن ليصرفه في سبيل مصلحته الخاصة ، وهنا يأتي دور الإيمان الصادق ليرفض العذر الكاذب وأن يبيعه دينه وجنة عرضها السموات والأرض بدنيا زائلة ومنفعةٍ مؤقتة ذاهبة ودفعه ذلك لأن يعتذر منه بقوله :
إذا كان صاحب الغنم لا يعلم بكذب العذر وخيانة الأمانة فأين علم الله وحضوره المراقب والمعاقب .
وأدى هذا الاعتذار بهذا الأسلوب الواعي ـ إلى أن يعدل ذلك الشخص عما كان عازماً عليه خوفاً من الله سبحانه ، وهزّ هذا الموقف الإيماني الثابت من هذا العبد المملوك جسماً والمتحرر عقلاً وإرادة ـ كلَّ كيانه واُعجب بقوة إيمانه وأراد أن يقدم له جائزة تكريميةً على نجاحه في هذا الامتحان الصعب وذلك بشرائه من سيده ليحرره مع شرائه قطيع الغنم من مالك العبد ليقدمه لهذا المؤمن الواعي الذي كان حرّ الضمير وراسخ الإيمان وأدى به ذلك لأن ينال التحرر المادي من أسر المملوكية للبشر ويصبح متحرراً من كل القيود المادية وعبداً لخالقه ومالكه الحقيقي سبحانه وتعالى .
وهكذا تحقق ذلك ليكون مصداقاً لقوله تعالى :
( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) (١) .
ودلالة هذه القصة على مدى تأثير الإيمان الراسخ في إحساس
__________________
(١) سورة الطلاق ، الآيتان : ٢ و ٣ .