الحج رحلة فكرية وروحية من عالم المادة إلى عالم العبودية الخالصة
إن التدبر الواعي والتأمل الموضوعي في الغاية السامية التي شرعت العبادات من أجلها يوحي للمتدبر فيها بأنّها عبارة عن التجرد من القيم المادية الوضيعة تمهيداً للانطلاق والتحليق إلى سماء الفضيلة الرفيعة .
وذلك لأن الإنسان بحكم تركبه من عنصر المادة الثقيلة وعنصر الروح الخفيفة الشفافة وبحكم تأثره بالماديات المحسوسة وانشداده إليها وانجذابه نحوها بدافع الغريزة البشرية ـ تشده جاذبية المادة إلى الأسفل وربما تهبط به إلى سفح الحيوانية ليعيش مع فصائلها بغرائزه الضاغطة ويصبح شبيهاً بها بتصرفاته المادية وحركاته الغريزية بل قد يمسي أضل منها سبيلاً وأحط شأناً كما صرح الله سبحانه بقوله تعالى :
( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (١) .
لهذا وذاك شاءت الحكمة الإلهية والعناية السماوية أن ترسم لهذا
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩ .