______________________________________________________
العصاة بمعنى أنه يهلكهم ويعاقبهم ، وقول موسى عليهالسلام : « إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ » (١) فالمراد بالفتنة الشدة والتكليف الصعب ، « تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ » أي تهلك من تشاء وهم الكفار « انتهى ».
وقال الفاضل المحدث الأسترآبادي (ره) في حاشيته على هذا الحديث : يجيء في باب ثبوت الإيمان أن الله خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة وكفرا بجحود ، ثم بعث الله الرسل يدعو العباد إلى الإيمان به ، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهد الله ، وأقول : هذا إشارة إلى الحالة التي سمتها الحكماء العقل الهيولاني ومعنى الضال هو الذي انحرف عن صوب الصواب ولما لم يكن قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب صوب صواب امتنع حينئذ الانحراف عنه ، ولما حصل أمكن ذلك ، فيكون الله تعالى سببا بعيدا في ضلالة الضال ، وهذا هو المراد بقوله عليهالسلام : « يضل ».
وقال في الفوائد المدنية : وأما أنه تعالى هو المضل فقد تواترت الأخبار عنهم عليهمالسلام بأن الله يخرج العبد من الشقاوة إلى السعادة ولا يخرجه من السعادة إلى الشقاوة ، فلا بد من الجمع بينهما ، ووجه الجمع كما يستفاد من الأحاديث وإليه ذهب ابن بابويه : أن من جملة غضب الله تعالى على العباد أنه إذا وقع منهم عصيان ينكت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب وأناب يزيل الله تعالى تلك النكتة ، وإلا فتنتشر تلك النكتة حتى تستوعب قلبه كله ، فحينئذ لا يرد قلبه إلى موضعه دليل.
لا يقال : من المعلوم أنه مكلف بعد ذلك ، فإذا امتنع تأثر قلبه بكون تكليفه بالطاعة من قبيل التكليف بما لا يطاق؟.
لأنا نقول : من المعلوم أن انتشار النكتة لا ينتهي إلى حد تعذر التأثر ، ومما يؤيد هذا المقام ما اشتمل عليه كثير من الأدعية المأثورة عن أهل بيت النبوة صلوات
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٥٥.