أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليهالسلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » (١) فقال الخليلعليهالسلامسرورا بها « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » قال الله تبارك وتعالى : « لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ. وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَ
______________________________________________________
عليه في الشافي ببراهين شافية ، لا يناسب الكتاب إيرادها.
« وأمنع جانبا » أي جانبه وطريقه الموصل إليه أبعد من أن يصل إليه يد أحد « خص الله بها إبراهيم » أي بالنسبة إلى الأنبياء السابقين « سرورا بها » مفعول له لقال ، والإشادة : رفع الصوت بالشيء يقال : أشاده وأشاد به إذا أشاعه ورفع ذكره « فصارت في الصفوة » مثلثة أي أهل الطهارة والعصمة من صفا الجو إذا لم يكن فيه غيم ، أو أهل الاصطفاء والاختيار الذين اختارهم الله من بين عباده لذلك لعصمتهم وفضلهم وشرفهم « نافِلَةً » النفل والنافلة : عطية التطوع من حيث لا تجب ، ومنه نافلة الصلاة ، والنافلة أيضا : ولد الولد والزيادة ، وهي على المعنى الأول حال عن كل واحد من إسحاق ويعقوب ، وعلى الأخيرين حال عن يعقوب ، أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فلان يعقوب زيادة على من سأله إبراهيم عليهالسلام وهو إسحاق.
« وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ » موصوفين بالصلاح ظاهرا وباطنا قابلين للخلافة والإمامة « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً » للخلائق « يَهْدُونَ » الناس إلى الحق « بِأَمْرِنا » لا بتعيين الخلق « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ » أي جميعها لكونه جمعا معرفا باللام « وَإِقامَ الصَّلاةِ » من قبيل عطف الخاص على العام للإشعار بفضلهما ، وحذفت التاء من إقام
__________________
(١) سورة البقرة : ١٢٤.