فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا « كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى : « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » (١) وقال « فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ » (٢) وقال « كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ » (٣) وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.
______________________________________________________
« وبيت الله » يدل على جواز الحلف بحرمات الله ، فما ورد من المنع عن الحلف بغير الله إما مخصوص بغير هذه أو بالدعاوي « كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » الحق والكتاب أو ليسوا من ذوي العلم بل هم من البهائم « بِغَيْرِ هُدىً » قال البيضاوي : في موضع الحال للتوكيد أو التقييد ، فإن هوي النفس قد يوافق الحق ، انتهى.
« إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي » بالهدايات الخاصة أو إلى الجنة في الآخرة « الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى « فَتَعْساً لَهُمْ » أي ألزمهم الله هلاكا أو أتعسهم تعسا ، والتعس بالفتح وبالتحريك : الهلاك ، والعثار : السقوط ، والشر والبعد والانحطاط « وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ » أي أبطلها فلم يجدوا لها أثرا عند ما يجد العاملون أثر أعمالهم.
« كَبُرَ مَقْتاً » قبل ذلك في سورة المؤمن : « كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً » وقال البيضاوي : فيه ضمير « من » وإفراده للفظ ، ويجوز أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر على حذف مضاف ، أي وجدال الذين يجادلون كبر مقتا ، أو بغير سلطان وفاعل كبر كذلك أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال ، فيكون قوله : « يَطْبَعُ اللهُ » إلخ استينافا للدلالة على الموجب لخذلانهم.
__________________
(١) سورة القصص : ٥٠.
(٢) سورة محمد ( ص ) : ٨.
(٣) سورة الفاطر : ٣٥.