ابن مريم فأنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآله فقال : « وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ
______________________________________________________
قوله تعالى : « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً » (١).
قوله عليهالسلام : « فأنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم » إلخ. ولنذكر ما قاله المفسرون في الآية ، ثم لنرجع إلى الخبر « ولما ضرب ابن مريم مثلا » أي ضربه ابن الزبعرى لما جادل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله تعالى : « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ » أو غيره بأن قال : النصارى أهل كتاب ، وهم يعبدون عيسى ، ويزعمون أنه ابن الله ، والملائكة أولى بذلك ، وعلى قوله : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا » أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح « إِذا قَوْمُكَ » قريش « مِنْهُ » من هذا المثل « يَصِدُّونَ » يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم صار ملزما به ، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضم من الصدود أي يصدون من الحق ، ويعرفون عنه ، وقيل : هما لغتان نحو بعكف ويعكف وقالوا « آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » أي آلهتنا خير عندك أم عيسى ، فإن كان في النار ، فلتكن آلهتنا معه ، أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى ، فإن جاز أن يعبد ويكون ابن الله كانت آلهتنا أولى بذلك ، أو آلهتنا خير أم محمد ، فنعبده وندع آلهتنا « ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً » ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل « بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ » شداد الخصومة ، حراص على اللجاج « إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » بالنبوة ، « وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » أمرا عجيبا ، كالمثل السائر لبني إسرائيل ، وهو كالجواب المزيح لتلك الشبهة « وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ » لولدنا منكم يا رجال كما ولدنا عيسى من غير أب أو لجعلنا بدلكم « مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أن حال عيسى وإن كانت عجيبة ، فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك ، وأن الملائكة مثلكم من حيث إنها ذوات ممكنة ، يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا فمن أين لهم استحقاق الألوهية (٢) والانتساب إلى الله سبحانه ، كذا فسرها البيضاوي (٣).
__________________
(١) سورة التوبة : ٩٧.
(٢) في المصدر : العبودية.
(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٧٠ « ط مصر ١٣٨٨ ».