قزع الخريف يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه قارة فلم يثبت
______________________________________________________
إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم الخراساني لدفع بني أمية ، وقد ظفروا بذلك ، لكن دفعوا لفاسد بالأفسد وسلطوا أولاد العباس على أئمة الحق « كما يجمع قزع الخريف ، يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب » في نهج البلاغة (١) « كما تجتمع » قال الجزري (٢) في حديث الاستسقاء « وما في السماء قرعة » أي قطعة من الغيم وجمعها قزع ، ومنه حد على « فتجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف » أي قطع السحاب المتفرقة ، وإنما خص الخريف لأنه أول الشتاء ، والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ، ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك ، وقال (٣) : الركام : السحاب المتراكب بعضه فوق بعض.
أقول : نسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من أسبابه ، وتركهم واختيارهم بتأليفهم ، وحثهم عليه ، ومثل هذا كثير في الآيات والأخبار « ثم يفتح لهم أبوابا يسئلون من مستثارهم ، كسيل الجنتين سيل العرم ، حيث بعث عليه فأرة فلم يثبت عليه أكمة » فتح الأبواب كناية عما هيئ لهم من أسبابهم ، وما سنح لهم من تدابيرهم المصيبة ، ومن اجتماعهم وعدم تخاذلهم ، والمستثار موضع ثوراتهم ، أي هيجانهم ووثبهم ونهوضهم ، وشبه عليهالسلام تسلط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلط الله على أهل سبأ بعد إتمام النعمة عليهم ، لكفرانهم وعصيانهم ، كما قال تعالى (٤) : « لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ » لأولاد سبأ بن يسحب بن يعرب بن قحطان « فِي مَسْكَنِهِمْ » في موضع سكناهم ، وهو باليمن يقال له مأرب « آيَةٌ » علامة دالة على وجود الصانع المختار ، وأنه قادر على ما يشاء « جَنَّتانِ » بدل من آية ، أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان « عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ » جماعة عن يمين بلدهم ، وجماعة عن شماله ، كل واحدة منهما في تقاربهما وتضايقها كأنه جنة واحدة ، أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله
__________________
(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٢٤١ الخطبة : ١٦٦.
(٢) النهاية : ج ٤ ص ٥٩.
(٣) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٦٠.
(٤) سورة سبأ : ١٥.