الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد قال صدقت أما الكاذبة المختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة وإنما هي شيء يخيل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة لا خير فيها وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « مخرجهما من موضع واحد » لعل المراد ارتسامهما في محل واحد ، وأن علتهما معا الارتسام ، لكن علة الارتسام فيهما مختلفة ، وقيل : يعني إن كليهما صور علمية يخلقهما الله تعالى في قلب عباده بأسباب روحانية ، أو شيطانية أو طبيعية.
قوله عليهالسلام : « في سلطان المردة والفسقة » أي في أول الليل يستولي على الإنسان شهوات ما رآه في النهار ، وكثرت في ذهنه الصور الخيالية ، واختلطت بعضها ببعض وبسبب كثرة مزاولة الأمور الدنيوية بعد عن ربه ، وغلبت عليه القوي النفسانية والطبيعية ، فبسبب هذه الأمور تبعد عنه ملائكة الرحمن ، وتستولي عليه جنود الشيطان فإذا كان وقت السحر سكنت قواه ونزلت عنه ما اعتراه من الخيالات الشهوانية ، فأقبل عليه مولاه بالفضل والإحسان ، وأرسل عليه ملائكته ليدفعوا عنه أحزاب الشيطان. فلذا أمر الله تعالى في ذلك الوقت بعبادته ومناجاته وقال : « إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً » (١) فما يراه في الحالة الأولى فهو من التسويلات والتخييلات الشيطانية ، ومن الوساوس النفسانية ، وما يراه في الحالة الثانية فهو من الإفاضات الرحمانية بتوسط الملائكة الروحانية.
ثم ذكر عليهالسلام علة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر ، فقال : إنه إما بسبب جنابة أو حدث أو غفلة عن ذكر الله تعالى فإنها توجب البعد عن الله واستيلاء الشيطان.
ولما كان أمر الرؤيا وصدقها وكذبها مما اختلفت فيه أقاويل الناس فلا بأس
__________________
(١) سورة المزّمّل : ٦.