« أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما » (١) فقال له أبو جعفر عليهالسلام فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الأخرى فقال نعم فقال أبو جعفر عليهالسلام استغفر ربك فإن قول الله جل وعز « كانَتا رَتْقاً » يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلما خلق الله تبارك
______________________________________________________
وقال البيضاوي : كلمة ثم في آيتي البقرة والسجدة أي الأولى والثانية لتفاوت ما بين الخلقين ، وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى : « ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا » لا للتراخي في المدة ، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها ، إلا أن يستأنف بدحاها مقدرا لنصب الأرض فعلا آخر دل عليه « أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً » مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك ، لكنه خلاف الظاهر (٢) انتهى.
والوجه الثاني : مما قد أجيب به عن أصل الإشكال أن يقال كلمة بعد في الآية الثالثة ليست لتأخر الزمان ، إنما هو على جهة تعداد النعم والأذكار لها ، كما يقول القائل أليس قد أعطيتك وفعلت بك كذا وكذا ، وبعد ذلك خلطتك ، وربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان ، لأنه لم يكن الغرض الإخبار عن الأوقات والأزمنة ، بل المراد ذكر النعم والتنبيه عليها وربما اقتضت الحال إيراد الكلام على هذا الوجه.
قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا » قال البيضاوي : أي أو لم يعلموا وقرأ ابن كثير بغير واو « أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً » ذات رتق أو مرتوقتين ، وهو الضم والالتحام أي كانتا شيئا واحدا ، وحقيقة متحدة ففتقنا هما بالتنويع والتميز أو كانت السماوات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة ، حتى صارت أفلاكا وكانت الأرضون واحدة ، فجعلت باختلاف كيفيتها وأحوالها طبقات أو أقاليم.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٣٠.
(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٤٥ باختلاف وزيادة.