الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان والله إن لكم مما فيها عليها لدليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف وتورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن تنبهها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد ـ فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة مع القوم الظالمين نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق فاسْتَعِينُوا بِاللهِ وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع.
______________________________________________________
المثلة : بفتح الميم وضم الثاء العقوبة ، والجمع المثلات. وفي القاموس (١) : خمل ذكره وصوته خمولا خفي.
قوله عليهالسلام : « لمنتبه » أي لكل من تنبه واتعظ.
قوله عليهالسلام : « من مظلمات الفتن » وفي بعض النسخ [ من ملمات الفتن ] أي نوازلها ، والبوائق : الدواهي.
قوله عليهالسلام : « لتثبط » خبر إن وفي القاموس (٢) : ثبطه عن الأمر : عوقه وبطؤ به عنه كثبطه فيهما.
قوله عليهالسلام : « تذهلها » الذهول : النسيان ، والغفلة وقوله ( عليهالسلام ) : « موجود الهدى » من إضافة الصفة إلى الموصوف.
قوله عليهالسلام : « ونهج » يقال نهج الطريق: كمنع أي سلكه، والقصد استقامة الطريق
__________________
(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٣٧١ « ط مصر ».
(٢) نفس المصدر : ج ٢ ص ٣٥٢.