ـ أو الكثير منهم ـ قد غرّر بهم معاوية ، والآن وقد حلّ بينهم ، وهم عاكفون على مجلسه لابدّ له أن يؤدي رسالته في هدايتهم ما وسعته الظروف.
ولقد حدّث عن بعض مظاهر تلك المدرسة وتأثيرها في روادها صاحب ( الحدائق الوردية ) في حديث له مرّت الإشارة إليه في ( الحلقة الأولى ) عند الكلام على موت الإمام الحسن الزكي عليه السلام ، وسيأتي بتمامه في إحتجاجاته مع معاوية ، ونقتبس منه ما يتعلق بالمقام :
قال : ( وكان ابن عباس تقشّف وكره أن يتزيّا بزيّه ، فيشهره أهل الشام ، فيضرّ به ذلك عند معاوية. فلمّا رجع إلى منزله قال : يا غلام هات ثيابي فوالله لئن جلست لهذا المنافق ـ يعني معاوية ـ ينعى إليّ أهل بيتي واحداً واحداً إنّي إذن أحمق ، قال : فقال : عليّ بالمقطّعات (١) فلبسها ، قال : ثمّ قال : عليّ بعمامة له اسمها الحوبية فلبسها وكان من أجلّ الناس ، أمدّهم جسماً ، وأحسنهم شعراً ، وأحسنهم وجهاً. قال : ثمّ أتى مسجد دمشق فدخل ، فلمّا نظر إليه أهل الشام قالوا ـ الذين لم يشاهدوه قبل هذا ـ مَن هذا؟ ما يشبه إلاّ الملائكة ما رأينا مثل هذا؟ قالوا ـ الذين يعرفونه ـ هذا ابن عباس هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فجلس إلى سارية وتقوّض إليه الخلق ، فما سئل عن شيء إلاّ أجابهم به من تفسير كتاب الله ولا حلال ولا حرام ولا واقعة كانت في جاهلية ولا إسلام ، ولا شِعر كان في جاهلية
____________________
(١) القصار من الثياب أو برود عليها وشي ، أو شبه الجباب ونحوها من الخز وغيره ( قطر المحيط. قطع ).