إذن ليس من السهل غربلة المتناقضات في شتات أخباره ، وليس من الهيّن الليّن غضّ النظر عنها ، فإستخلاص تاريخه سليماً من تلك الشوائب الكثيرة يحتاج إلى بالغ جهد مكين ، وباحث قمين أمين ، وحيث مرّ حديثنا عنه في الحلقة الأولى متكفلاً سيرة وتاريخ ، فذلك يغني في معرفة تاريخه عبر سنيّ حياته ، بدءاً من ولادته إلى يوم وفاته رضي الله عنه.
أمّا الآن فنحن على أبواب الحلقة الثانية ، وتتكفل بالحديث عنه من جانب آخر أوسع فصولاً وشمولاً ممّا مرّت الإشارة إليه ، وهو تاريخه العلمي ( تتضمن دراسة وعطاء ، بدءاً من ينابيع العلم والمعرفة الأولى ، وانتهاءً بمظاهر العطاء من مدارسه وتلاميذه ، ونماذج من خطبه ومحاوراته وكتبه ومسائله ، والمأثور عنه من حكم وكلمات قصار ) (١).
ومن الطبيعي سنلاقي الكثير من الروايات المتناقضة في هذه المواضيع المبحوث عنها ، فلابدّ من أخذ الحيطة ، والحذر من الأخذ بكلّ ما روي منها ، والإعتماد عليها ، ومع ملاحظة السند والمتن والدلالة سنلقي كمّاً غير قليل في سلّة المهملات ، لأنّه ممّا يرتفع مع المناقبيين إلى قمة الغلوّ الفاحش ، كما نلقي أيضاً كمّاً نحو ما سبق معه ، لأنّ الأخذ بما فيه ، إسفاف مع المعادين ووقوع في هوّة الإحن والأضغان.
فالرجل كما قرأناه في سيرته وتاريخ حياته كان مستهدَفاً للخصوم ،
____________________
(١) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى / ج١ ( ماذا نقرأ في هذا الكتاب؟ ).