فقد قال : ( ودعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن عباس أن يفقهه في الدين ويعلّمه التأويل. والفرق بين الفقه والتأويل ، أنّ الفقه هو فهم المعنى المراد ، والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى ، التي هي اَخيّته (١) وأصله ، وليس كلّ من فقه في الدين عرف التأويل ، فمعرفة التأويل يختصّ بها الراسخون في العلم ، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى ، فإنّ الراسخين في العلم يعلمون بطلانه ، والله يعلم بطلانه ... ) (٢) أهـ.
وما قاله ابن قيم الجوزية غير بعيد ، ويؤيده أنّ ابن عباس كان يرى في نفسه أنّه من الراسخين في العلم ، وكان تلميذه طاووس أيضاً يرى ذلك فيه ، وسيأتي مزيد بيان في ذلك عند الكلام على تفسيره وحديثه ، ولم يكن منهما ذلك اعتباطاً ، بل بفضل ما كان لديه من استعداد ذهني وفضل أدعية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فبلغ من العلم مقاماً غبطه عليه أكابر الصحابة ، كما مرّ في الحلقة الأولى في أيام عمر ، ومع ذلك كلّه فقد ورد أنّه شكا للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قلّة الحفظ ، فعلّمه صلى الله عليه وآله وسلم ما يتقوّى به على
____________________
(١) الأخية ، بالمد والتشديد ، حبل أو عويد يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه ، ويصير وسطه كالعروة وتشد فيها الدابة ، ومنه الحديث ( لا تجعلوا ظهوركم كأخايا الدواب ) أي لا تقوسوها في الصلاة حتى تصير كهذه العرى ( النهاية لابن الأثير ( أخا ).
(٢) أعلام الموقعين ١ / ٢٨٨ ط المنيرية.