____________________
شيخوخة أبي سفيان ، وربما أن جميع من كانوا معه في مجلس هرقل قد ماتوا ، فأمن التكذيب!
٢ ـ أبو سفيان يقرر سلفاً أنه كان يريد أن يكذب في حديثه عن محمد كما قال :
( فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه ). كما أنه تحيّن فرصة خلال حديثه مع هرقل ليغمز في محمد ، وأعترف أنه فعل ذلك حيث قال : ( ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة ).
إذاً مع كل حرص وإصرار أبي سفيان على الطعن والغمز والانتقاص ـ كذباً ـ لمحمد للتقليل من شأنه وشأن دينه ودعوته ، إلا أنه حينما سئل : ( بماذا يأمركم ) راح يعدد كل ما يعد عند الناس فضيلة ومحمدة ومكرمة ، قال أبو سفيان : ( فقلت : يقول : أعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباءكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ) ، ويضيف في النص ٢٧٨٢ : ( والصدقة والوفاء بالعهد وأداء الأمانة ) ، فهل خان أبا سفيان ذكاؤه هنا ، وكان يستطيع أن يجيب بأكثر من طريقة ـ إلا هذه الطريقة ـ تنسجم مع شخصه ورؤيته ونواياه!
أمّا ما عدده ، فهو كلام رجل مسلم مؤمن يعتقد برسالة محمد ، ويؤمن بنبوته ودعوته ، ويريد بقولته تلك أن يعلي شأن من يتحدث عنه. فأبو سفيان لم يقل ذلك الكلام في حضرة هرقل ، إنّما قاله في خلوته مع ابن عباس لغاية في نفسه يعلمها الذي يعرف شخصية أبا سفيان وتاريخه.
٣ ـ يسأله هرقل عن الذين اتبعوا محمداً وأمنوا به ، هل هم من الأشراف أم من الضعفاء؟ فيجيبه أبو سفيان أنهم من الضعفاء. فإذا كان الأشراف هم علية القوم وسادتهم وكبراؤهم ، فإن الضعفاء تعني المقابل لهؤلاء ، وهم الفقراء والعامة من القوم الذين لا حول لهم ولا طول ولا جاه يعتد به. فإذا كانت هذه الحادثة قد حدثت بعد صلح الحدييبية ، أي حتماً بعد السنة السادسة للهجرة ، وحتى ذلك الزمن كان قد دخل في الإسلام الكثير من الأشراف والأغنياء والأقوياء والسادة من المكيين واليثربيين ، فهل كان أبو بكر وعمر وعثمان وسعد بن عبادة وسعد بن معاذ وغيرهم كثير من الأراذل والضعفاء أم من علية القوم والسادة ، وهل كان عمر وحمزة وغيرهما من الضعفاء أم أنهما تهددا من مكة في عقر دارها قبل الهجرة بزمن وحين كان محمد والمسلمون في المراحل الأولى بعد؟! فهذا الواقع يكذب أبا سفيان ، فيما يرد على هرقل كلامه في أتباع الأنبياء