____________________
والرسل. كما أن المسلمين حين حدثت الحادثة كانوا قد حققوا عدداً من الانتصارات ، وصاروا أقوياء تحسب مكة ورجالاتها لهم الحسابات!!
٤ ـ ومع كل ما رأى وما سمع أبو سفيان من هرقل قيصر الروم وعظيمها ، وحامي دينها ، من مدح وإطراء وتعظيم للرسول ، ومن إقرار واضح منه بأنه رسول الله حقاً ، وكيف تمنى لو استطاع الوصول إليه وغسل قدميه ، وكل هذا على مسمع الركب ومسمع حاشية هرقل أيضاً ، مع كل ذلك لم يسلم أبا سفيان ولم ينثنِ إلا مكرهاً كارهاً كما أقر هو وأعترف في النص ( ٢٨٧٢ ) : ( حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره ) ، وبما أن أبا سفيان رجل سياسة وتجارة ، وربما أن السياسة والتجارة ـ عموماً ـ لا دين لها ولا موقف ، فصاحبهما ـ وفي كل ساعة إن لزم الأمر ـ يميل مع مصلحته حيث يجدها ، فقد رأى أبو سفيان أن يسلم ـ رغم كرهه وعدم قناعته ـ ليبحث من جديد عن مصالحه من خلال الإسلام. وقد استطاع الحصول عليها ومنذ اللحظة الأولى ، السيادة : ( من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ) قول للرسول عند فتح مكة ، ثم الخلافة الأموية في أسرته. والمال : فقد أعطاه الرسول هو وابنه معاوية الكثير من المال ـ سيبحث في نصوص لاحقة ـ إذاً ، إسلام أبي سفيان إسلام انتهازي ، فهو لم يخسر شيئاً في إسلامه ، بل بقي سيداً ورابحاً!
٥ ـ لا شك أن العلم اليوم يرفض وينكر التنجيم الكهاني ، وبالتالي يرفض كل ما يأتي به ويبتني عليه. وعلى ذلك فإذا كان هرقل ممن يبحثون في النجوم وينجمون ، فلا قيمة علمية لكل ما جاء به هرقل في استطلاعاته النجومية ، ونحن لسنا واثقين إن كان هرقل يمارس ذلك العمل فعلاً ، أو كان فقط يؤمن به ، وأيضاً لسنا متيقنين من حدوث تلك النبوءة الهرقلية. ومن ثم ألم ير هرقل في نجومه إلا مملكة الختان؟!! ألم ير مملكة التوحيد؟!! وهل الإسلام صار دين الختان! ورسوله رسول الاختتان؟!
وعلى الرغم من إبطال الإسلام للكهانة والتنجيم وتكذيبهم ولو صدقوا كما يقرر صاحب فتح الباري جزء (١) صفحة ( ٥٤ ) : ( فالكهانة تارة تستند إلى إلقاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم ، وكان كل من الأمرين في الجاهلية شائعا ذائعاً ، إلى أن أظهر الله الإسلام ، فانكسرت شوكتهم ، وأنكر الشرع الإعتماد عليهم ) ، وينقل عن القرطبي أيضاً في جزء (١) صفحة ( ١٥١ ) :
( وأمّا ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا ما كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم ). إلا أن صاحب الفتح العالم الجليل ابن حجر ، يعود ليتخذ من كهانة هرقل التنجيمية دليلاً على نبوة محمد وصدق دعوته فيقول بطريقة تلفيقية : ( وكان ما أطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين أنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج