بين يدي أبي جعفر عليهالسلام ، فشهق مخارق شهقة
اجتمع عليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغني ، فلما فعل ساعة وإذا أبوجعفر لايلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً ، ثم رفع رأسه وقال : « اتقِ الله ياذا
العثنون ! » ، قال : فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلىٰ أن مات ، قال : فسأله المأمون عن حاله ، قال : لمّا صاح بي أبو جعفر ، فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً ) (١). وعلىٰ كلِّ حال ، فقد أرسل
المأمون إلىٰ محمد بن عبدالملك الزيات يوصيه بحمل أبي جعفر من المدينة إلىٰ بغداد علىٰ أحسن محمل ، وأن لا يُعجّل بهم السير ، ويريحهم في المنازل. فيكلف ابن الزيات الحسن بن علي بن يقطين ؛ لمنزلته ومنزلة أبيه من الأئمة عليهمالسلام
والخلفاء والأمراء معاً. بأن يرافق أبا جعفر وأهله وعياله في سفرهم. ويظعن الرحل مودعاً المدينة المنورة ، متجهاً
صوب بغداد. وينسىٰ الخليفة أو يتناسىٰ قدوم الوفد المدني ، فلقد ألهته ليالي الاُنس.. وأيام الصيد ، السؤال عن القادمين من المدينة أو أنّه فعلاً تناسىٰ أمرهم ، وهي
عادة الملوك في استصغار من سواهم ، وأراد أن يلتقي بأبي جعفر بشكل غير علني ، إمّا حياءً من البيت الهاشمي لما أحلّه بأبيهم الرضا عليهالسلام قبل عهد قريب ، وإمّا أنفة واستعلاءً منه ـ وهو أميرالمؤمنين المسيطر علىٰ الآفاق شرقاً وغرباً ـ أن يلتقي بحدث صغير لم يبلغ الحلم. فلم يكن المأمون قد وقف بعد علىٰ علم الإمام الجواد عليهالسلام
ونبوغه المذهل. أو إنّه لم يكن هذا ولا ذاك ، إنّما أراد أن يستريح القادمون لبضعة أيام من وعثاء السفر ، ثم يستدعي إليه التقي عليهالسلام
ليتعرّف أخباره. ________________ ١)
اُصول الكافي ١ : ٤٩٤ / ٤. وعنه مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٩٦.