فالنبيُّ بروحه الطيِّبة والتوَّاقة إلىٰ هداية الناس وإرشادهم إلىٰ سبيل الحقِّ ، أراد أن يضمن استمرار هذه المسيرة علىٰ الصراط المستقيم. فكم يا ترىٰ كانت خسارة المسلمين بسبب إضاعة تلك الفرصة ؟ تلك الخسارة التي نشهد بعض فصولها الآن من جراء عدم كتابة تلك الوصيَّة.
فإذا قيل : لا تهوِّلوا ذلك ولا تنفخوا القضية ، فما هي إلاَّ كلمات ، وما فائدة الكلمات أمام كتاب عظيم ( لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) (١) ؟ فمعنى ذلك هو أن نردَّ قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لن تضلُّوا بعدي » ونكذِّبه !!
والحيرة علىٰ أشدِّها في نفوس المسلمين المعاصرين ، فهم بين أن يردُّوا علىٰ الرسول ما قال ، وبين أن يسمعوا له ويطيعوا ، كما أمرهم ربُّهم ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ... ) (٢) و ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) (٣) ولا أعتقد أنَّ هناك مسلماً واحداً يرجِّح عصيان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ليبرىَ ساحة الصحابة وينزِّههم أمام التاريخ ، وإن وُجِدَ هذا فهو ليس بمسلم ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ) (٤).
__________________
(١) سورة فُصِّلت : ٤١ / ٤٢.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٩٢.
(٣) سورة الحشر : ٥٩ / ٧.
(٤) سورة الحاقَّة : ٦٩ / ١٠.