وتعالىٰ : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ) (١). فما بالنا نلغي دور نبيِّنا وهو لا يزال بين ظهرانينا ؟!
وإلغاء دور النبوَّة هو الخطوة الأولىٰ للانحراف عن الدين وأهدافه المقدَّسة ، ويُخبر القرآن الكريم عن أقوام كثيرين بدَّلوا دينهم وحرَّفوه لأنَّهم أطاعوا أحبارهم ورهبانهم وتركوا تعاليم نبيِّهم.
وعبارة الخليفة الثاني صريحة جدَّاً في رفض وصيَّة الرسول وإلغاء دور النبوة بشكل كامل ، فضلاً عن رفضه لكلِّ ما ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من أخلاق وسيرة وإدارة وحرب وعقائد و ... واستثنىٰ منها فقط ما يوجب عملاً في العبادات ، وذلك خلال منعه الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعقابه عليه ، وإلزامه المتحدِّثين بالشهود ، وحدَّد المسموح به في الأمور العبادية فقط ، وقال : بأنَّه يخشىٰ أن يختلط حديث النبيِّ بكلام الله.
ولكن ألا يتَّفق معي القارئ بأنَّ العرب كانوا أقدر منَّا علىٰ اللغة والفهم والتمييز ، وقد سمعنا مراراً أنَّهم كانوا يحفظون أشعار الجاهلية عن ظهر قلب ، ويتلون مئة بيت من الشعر كما لو أنَّهم يطالعونها في الصحائف.
وعلماء اللغة اليوم قادرون علىٰ فرز قصائد الشعر والتشكيك فيها وربَّما نسبتها إلىٰ قائلها من خلال السبك الشعري ومتانة اللفظة والانسيابية والجزالة.
فكيف كان القرآن بأُسلوبه اللغوي الفريد « يختلط » بالحديث علىٰ أولئك الذين لا يختلط عليهم آلاف الأبيات من الشعر ، ويمكنهم أن
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٥.