رِيحُكُمْ ... ) (١) ولكنَّهم تنازعوا واختلفوا حتَّىٰ حجبوا تلك الوصيَّة الهادية من الضلال والاختلاف.
ولنفكر قليلاً في وضع الرسول وهو مريض والصورة التي تكلم بها عندما طلب الكتف والدواة ، وأصوات الصحابة وهم يكثرون اللغط والنزاع ، حتَّىٰ قال الرسول غاضباً : « قوموا عنِّي ».
فكم آلموه ، وكم آذوه حتَّىٰ تكلَّم بكلام لم يتكلَّمه طوال حياته ، وهو الموصوف في الذكر الحكيم بالخُلق العظيم ، كما في قوله تعالىٰ : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) فسيرته بعيدة كلَّ البعد عن هذا التصرُّف الحادِّ والغاضب.
إنَّه صلوات الله وسلامه عليه لم يعامل الكفَّار والمنافقين بمثل هذه المعاملة ، وكان مثالاً لقوله تعالىٰ : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ) (٣) ولم يكن فضَّاً في لحظة من حياته ، وقد أخبر تعالىٰ عن خلقه هذا في قوله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (٤).
فلماذا يغضب النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الغضب ويطردهم عنه إن كان قد قبل رأي عمر وترك كتابة الوصيَّة ؟!
ونتردَّد كثيراً في قبول القائل بمراعاة الصحابة لخفض الصوت أمام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّه كيف هان للصحابة أن يتنازعوا أمام نبيِّهم ويختلفوا ويكثر لغطهم ؟!
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤٦.
(٢) سورة القلم : ٦٨ / ٤.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٥.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٩.