والمحرَّمات كانت قد وصلت الىٰ أسماع المسلمين ففهموها ووعوها وعملوا بها ، وعاقبوا من تخلَّف وعصىٰ ، وسار الدين سيراً انسيابياً لطيفاً ملأ القلوب بأنواره ، وسحر العقول بأفكاره ، وعجز الكفَّار والمشركون عن مواجهته ومحاربته.
فماذا تريد هذه الآية وإلىٰ أي شيء تشير ؟!
الآية أولاً : تلغي أتعاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إن لم يبلغ ما أوحي إليه من ربِّه.
وثانياً : إنَّ الرسول كان يبلغ ما يوحيه الله سبحانه إليه ، ولا يمنع فيض السماء علىٰ أهل الأرض. وكيف يمنع الفيض الإلهي وهو الرحمة للعالمين. أليس هو الموصوف في الذكر الحكيم ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (١).
فماذا حدث حتىٰ يأمر الله سبحانه وتعالىٰ رسوله أن ( يبلِّغ ) .. وكأنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يُحاذر ويخاف أن يبلِّغ الناس ذلك الأمر. فجاء الخطاب بصيغة التهديد ، بقوله تعالىٰ : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) فيجعل تبليغ أمره هنا مساوياً لكلِّ المشاقِّ والآلام والمعاناة التي عاناها طوال أكثر من عقدين كاملين من عمره الشريف.
وثالثاً : يقول سبحانه وتعالىٰ : ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) وكأنَّ هناك خطراً من تبليغ ذلك الأمر كان يحسُّه النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فضمن له ربُّه حمايته وحراسته.
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٨.