قلت : لا يخفى أنّ الخاصّين اللذين بينهما العموم من وجه إنّما يخصّص العام الفوق بكلّ منهما إذا كانا معاً مخالفين للعام ، كأن يقول : أكرم العلماء ، ثمّ يقول : لا تكرم النحويين ويقول : لا تكرم الصرفيين ، فإنّ النسبة بين الخاصّين هي العموم من وجه ، لكون النحوي أعمّ من وجه من الصرفي ، فيجتمعان في النحوي الصرفي ، ولكن لا معارضة بينهما لتوافقهما في الحكم ، فيقدّمان معاً على العام الفوق ، بخلاف ما نحن فيه من الجزء السلبي من رواية الدراهم والدنانير والجزء الايجابي من رواية الذهب والفضّة ، فإنّه لمّا كان الأوّل منهما موافقاً للعام في الحكم ، وكانا في حدّ أنفسهما متعارضين لاختلافهما في الحكم ، فلا وجه للقول في مثل ذلك بأنّ مقتضى القاعدة هو تخصيص العام بكلّ منهما.
أمّا لو كانا معاً مخالفين للعام ، وكانا أيضاً متعارضين في حدّ أنفسهما ، كأن يقول : يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام النحويين ويستحبّ إكرام الصرفيين ، كانت المسألة داخلة فيما يأتي البحث فيه من أنّه عند اتّفاق المتعارضين على نفي الثالث في مورد المعارضة بينهما هل يمكن الرجوع بعد تساقطهما إلى ذلك الثالث ، أو أنّه لا يمكن ذلك ، لأنّهما وإن تساقطا في مورد المعارضة بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي ، إلاّ أنّهما لمّا اتّفقا بحسب مدلولهما الالتزامي على نفي الثالث ، لم يكن تساقطهما في مدلولهما المطابقي موجباً لسقوط ما توافقا عليه من المدلول الالتزامي ، حيث إنّ كلاً من دليل حرمة إكرام النحويين ودليل
ــــــــــــــــــ
حيث إنّي لم أتوفّق لكتابة عنه في أواخر هذه الدورة الأخيرة ، سيّما بعد وصوله إلى أواخر البراءة وذلك في النصف من رجب سنة ١٣٤٩. ولكن يظهر ممّا علّقته على هامش ما كنت حرّرته عنه قدسسره في الدورة السابقة من آرائه الجديدة في الدورة الأخيرة أنّه وصل إلى أواسط الاستصحاب [ منه قدسسره ].