فذلك ممّا لا أظنّ أنّ أحداً يمكنه الالتزام به ، فتأمّل.
وممّا ينبغي الالتفات إليه : أنّ هذا الذي تقدّم البحث عنه من أنّه بناءً على الطريقية يكون الأصل هو التساقط ، وأنّه بناءً على التساقط هل يسقطان بالمرّة ، أو أنّ الساقط هو خصوص مورد التعارض منهما دون ما يتفّقان فيه من اللازم الذي هو نفي الثالث ، كلّه بحث علمي لا يترتّب عليه أثر عملي ، لما سيأتي (١) إن شاء الله تعالى من دلالة الأخبار على الترجيح ثمّ التخيير.
نعم ، يظهر الأثر العملي في الأمارات التي لا تجري فيها أخبار التخيير مثل البيّنات ونحوها ، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو السقوط فيها في كلّ من المدلول المطابقي والالتزامي.
إلاّ أن تشهد البيّنة باللازم كما تشهد بالملزوم ، بأن تقول هذا الاناء نجس لأنّه لاقى البول مثلاً ، وأُخرى تقول إنّه نجس لأنّه لاقى الدم ، أمّا إذا لم تشهد إلاّ بملاقاة الدم أو بملاقاة البول ، فالذي ينبغي هو سقوطهما في اللازم الذي هو النجاسة ، والرجوع بعد التساقط إلى قاعدة الطهارة سيّما إذا كان الشهود في غفلة من ذلك اللازم ، أو كان ما في الاناء من الماء القليل وكان الشهود لا يرون نجاسته بملاقاة النجاسة.
وممّا يكشف عن ذلك ما سيأتي من قوله : فقد يكون التعارض موجباً للتساقط ، كما لو تداعى شخصان فيما يكون بيد ثالث وأقام كلّ منهما البيّنة ، فإنّ البيّنتين يتساقطان ويقرّ المال في يد ذي اليد إذا ادّعى الملكية الخ (٢) فإنّ البيّنتين يتّفقان في نفي ملكية الثالث الذي هو ذو اليد ، وبناءً على عدم سقوط الدلالة
__________________
(١) في الصفحة : ٢٠٢ وما بعدها.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٧٦٢.