على المعنى الأوّل من السببية يكون الحكم المجعول واقعياً. انتهى.
قلت : لو كان مراد القائلين بالسببية أنّ الشارع لم يجعل حكماً كلّياً على عنوان ما قامت الأمارة على حكمه ، بل إنّما يكون إنشاء الحكم الشرعي وتحقّقه عند قيام الأمارة ، بحيث إنّه لم يكن قبل قيامها حكم على طبقها لا جزئي ولا كلّي إنشائي ، وإنّما يكون جعل الحكم وإنشاؤه من جانب الشارع عند قيامها ، فيكون الشارع عند قيام كلّ أمارة يجعل لنا حكماً وينشؤه على طبقها عند قيامها ، فلا جعل ولا تشريع قبل قيامها ، وإنّما يكون الجعل والتشريع عند قيامها.
فعلى هذا التقدير يكون التزاحم عند قيام الأمارتين المختلفتين واقعاً في مقام التشريع ، وحيث إنّ جعل الحكمين المختلفين المتنافيين محال في حقّ الشارع ، وأنّه لابدّ أن يكون الحكم في تلك الواقعة على طبق ما هو الأقوى ملاكاً في نظر الشارع ، وعلى تقدير التساوي بينهما في نظره يكون الحكم في تلك الواقعة على خلاف كلّ منهما ، ولا طريق للمكلّف إلى إحراز ذلك الحكم المجعول في تلك الواقعة ، فيمكن القول في ذلك بأنّ تكليفه على البناء على التساقط ، كما يمكن القول بأنّ تكليفه يكون على التخيير بينهما.
ولكن ينبغي القطع بأنّ هذا ليس هو المراد للقائلين بالسببية ، بل مرادهم بذلك هو أنّ الشارع قد جعل أحكاماً واقعية للأشياء بعناوينها الواقعية ، وهناك أحكام كلّية قد جعلها الشارع على العناوين الثانوية وهي ما قامت عليه الأمارة ، ليكون محصّل ذلك هو أنّ ما قامت الأمارة على وجوبه فهو واجب ، وما قامت على حرمته فهو حرام ، وما قامت على إباحته فهو مباح ، إلى آخر الأحكام الفقهية