ولكن ذلك وحده ـ أعني مجرّد صدق كونه عالماً ـ لا يكفي في إصدار الفتوى منه التي هي عبارة عن الإخبار بالحكم الواقعي إلاّبعد إثبات ما أشرنا إليه من أنّ تحقّق هذه الأُمور في حقّه كما يوجب تنجّز الواقع عليه فكذلك يجوّز له الإخبار به ، وإلاّ فمجرّد تنجّز الواقع عليه لكونه عالماً به وجداناً أو تنزيلاً لا يوجب تنجّزه على مقلّديه ، لأنّ منجّزية علمه الوجداني أو التنزيلي لا تسري منه إلى مقلّديه إلاّبواسطة إخباره لهم بذلك الحكم الواقعي الذي سوّغه له علمه بالحكم وجداناً أو تنزيلاً ، ليكون إخباره لهم حجّة عليهم ، لكون إخباره لهم محقّقاً للعلم التنزيلي في حقّهم.
ومنه تعرف أنّ حجّية هذه الأُمور على من قامت عنده لا تنحصر بجعل المماثل أو بجعل المنجّزية ، بل ليست هي إلاّما عرفت من جعل الحجّية أو جعل الاحراز والطريقية ونحو ذلك ممّا يرجع إلى تحقّق العلم بالحكم الواقعي في حقّ من قامت عنده علماً تعبّدياً تنزيلياً ، وأثر ذلك هو تنجيز الواقع عليه وجواز إخباره به ، ويمكننا ادّعاء كون ترتّب الأوّل عقلياً ، وكون ترتّب الثاني شرعياً وينفرد الأثر الثاني عن الأوّل فيما لا يكون من الأحكام متعلّقاً به بل كان متعلّقاً بمقلّديه ، ولا يتوقّف على النيابة والاستنابة.
ومنه يظهر لك الإشكال فيما أفاده قدسسره في حاشيته الثانية (١) فلاحظها وتأمّل.
والخلاصة : هي أنّ ما أفاده في هذه الحواشي مبني على أن جعل الحجّية هو عبارة عن جعل المنجّزية والمعذّرية ، وحينئذ يتوجّه النقض بالاحتمال في أطراف العلم الاجمالي وبالاحتمال في الشبهة الحكمية قبل الفحص ، فإنّ ذلك
__________________
(١) نهاية الدراية ٥ ـ ٦ : ٣٦٧.