استمرارياً.
إلاّ أنّه لا معنى حينئذ للرجوع إلى الاستصحاب ، لعدم إحراز ما كان قبل عروض هذا الشكّ ، حيث إنّه بعد الاختيار لم يعلم أنّه كان قبل هذا مخيّراً في المسألة الأُصولية أم أنّه كان مخيّراً في المسألة الفرعية ، فما الذي يستصحبه.
نعم ، لو كان لنا قدر جامع بين نوعي التخيير وكان له أثر لأمكن استصحابه ، ولكان من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلّي ، إلاّ أنّه لا جامع بين التخييرين المذكورين ، وحينئذ لابدّ من المصير إلى الأُصول الأُخر.
والظاهر أنّ المقام من قبيل دوران الأمر بين التخيير والتعيين (١) وقد حقّقنا في محلّه أنّ الدوران بين التخيير والتعيين على ثلاثة أنحاء (٢) :
النحو الأوّل : دوران الأمر بين المذكورين أصالة ، كأن يتوجّه إلينا تكليف نشكّ في أنّه من قبيل التعيين أو من قبيل التخيير بينه وبين شيء آخر ، والمرجع في ذلك هو أصالة الاشتغال ، ولو قيل في ذلك بالبراءة ، فلا ريب في القول بالاشتغال في :
__________________
(١) ولكن لا يخفى أنّ هذا إنّما يكون فيما بعد الاختيار ، وأمّا الحكم قبل الاختيارففيه تأمّل ، لأنّه حينئذ يكون من دوران الأمر بين الافتاء بالتعيين ، بأن يختار أحدهما فيفتي على طبقه بناءً على كون التخيير في المسألة الأُصولية ، وبين الافتاء بالتخيير بناءً على كونه في المسألة الفرعية. وإن شئت فقل : إنّه متردّد بين كونه مخيّراً في الفتوى على طبق أحدهما وبين كونه ملزماً بالافتاء بالتخيير العملي بين مدلولهما ، وحينئذ يكون من قبيل الدوران بين المتباينين ، فتأمّل [ منه قدسسره ].
(٢) كما في فوائد الأُصول ٣ : ٤١٧ وما بعدها. وكذا أجود التقريرات ٣ : ٣٧٩ وما بعدها. ولا يخفى أنّ المذكور في تلك المباحث هو الأنحاء الثلاثة ، وقد أضاف قدسسره هنا النحو الرابع كما سيأتي قريباً.