النحو الثاني : وهو أن يكون ذلك الدوران من جهة التزاحم واحتمالِ أهميّة أحدهما المعيّن ، فيتعيّن ويكون تعيّنه تعجيزاً مولوياً عن الآخر ، فيكون مسقطاً للآخر دون العكس ، واحتمالِ تساويهما ، فيكون الاشتغال بكلّ منهما موجباً لسقوط الآخر ، والمختار أنّ المرجع في ذلك هو أصالة الاشتغال بما يحتمل أهميّته.
ثمّ إنّه لو قيل بالبراءة من التعيين في هذا النحو ، بناءً على أنّ التخيير بين المتزاحمين في مورد التساوي لا يكون من جهة كون الاشتغال بكلّ منهما تعجيزاً مولوياً عن الآخر ، بل من جهة أنّه بعد التحيّر يحكم العقل بالتخيير بينهما ، فإذا دار الأمر بين التعيين والتخيير بهذا المعنى ـ أعني حكم العقل بالتخيير ـ كان المرجع هو البراءة ، إلاّ أنّا قد حقّقنا في محلّه أنّه لا محيص عن القول بالاشتغال في :
النحو الثالث : وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجّية ، كما في فتوى المجتهدين إذا احتمل كون أحدهما المعيّن أعلم من الآخر ، وهذا النحو لا إشكال في كون المرجع فيه هو الاشتغال وإن قلنا بالبراءة في النحو الثاني ، للقطع بكون فتوى من يحتمل أعلميته حجّة عليه ومبرئة للذمّة ، بخلاف فتوى من لا يحتمل أعلميته.
النحو الرابع : ما نحن فيه ، وهو دوران الأمر بين التعيين في مقام الحجّية بناءً على كون التخيير في المسألة الأُصولية ، وبين التخيير في العمل بناءً على كون التخيير في المسألة الفرعية ، وهذا أيضاً لا ينبغي الإشكال في كون المرجع فيه هو الاشتغال لا البراءة ، انتهى.
قلت : بل يمكن أن يقال : إنّ المقام ليس من قبيل الدوران بين التخيير