والتعيين ، أمّا قبل الاختيار فواضح ، لما عرفت من أنّه يكون بين المتباينين ، وأمّا بعد الاختيار فلأنّ الكلام حينئذ فيما اختاره ذلك المكلّف ، وأنّه هل اختار كون أحدهما حجّة فيتعيّن عليه البقاء عليه ، أو أنّه اختار العمل على أحدهما فيجوز له العدول إلى العمل على الآخر ، وليس هذا من الدوران بين التخيير والتعيين بل هو من قبيل الدوران بين تعيّن شيء والتخيير في شيء آخر.
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الدوران قبل العمل يكون من قبيل الترديد بين المتباينين مع فرض عدم إمكان الجمع بينهما ، مثلاً لو وردت رواية تدلّ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وأُخرى تدلّ على حرمته ، وانتهى الأمر إلى التخيير المستفاد من قوله عليهالسلام « إذن فتخيّر » (١) والمفروض تردّد ذلك التخيير المأمور به بين كونه تخييراً في المسألة الأُصولية ، الذي تكون نتيجته عند اختيار الرواية الدالّة على الوجوب هو إفتاء ذلك المجتهد للعامي بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، وبين كونه تخييراً في المسألة الفرعية الذي تكون نتيجته إفتاءه العامي بأنّه مخيّر بين الفعل والترك ، والمفروض أنّه لا يمكن الجمع بين هاتين الطريقتين لعدم إمكان الجمع بين هاتين النتيجتين ، فهل يكون قوله عليهالسلام « فتخيّر » إلاّ من قبيل المجمل المردّد بين المتباينين اللذين لا يمكن الاحتياط فيهما بالجمع بينهما الموجب لسقوط تلك الجملة عن الحجّية ، وحينئذ فأي شيء يكون حاصلاً لذلك المجتهد قبل اختياره كي يتكلّم في أنّه مجرى للاستصحاب أو أنّه من قبيل الدوران بين التخيير والتعيين ، وما كيفية ذلك الاختيار الذي وقع منه ، وهل كان هو الاختيار في مقام الحجّية أو كان هو الاختيار في مقام العمل.
__________________
(١) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢.