قوله : بل يمكن أن يقال باستحالة الوجه الثالث ، فإنّه إن كانت مصلحة الحكم الواقعي الذي يكون مفاد المخصّصات المنفصلة تامّة فلابدّ من إظهاره والتكليف به ، وإن لم تكن تامّة ـ ولو بحسب مقتضيات الزمان حيث يكون للزمان دخل في ملاك الحكم ـ فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتّى يكون مفاد العام حكماً ظاهرياً ، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود الخاصّ ، ولا محالة يكون الخاصّ ناسخاً لا مخصّصاً ، ففي الحقيقة الاحتمال الثالث يرجع إلى الاحتمال الأوّل وهو النسخ ، وقد عرفت أنّه لا يمكن الالتزام به ، فلا أقرب من الاحتمال الثاني (١).
لا يخفى أنّه يمكن الالتزام بأنّ مصلحة الحكم الواقعي الذي هو على طبق الخاصّ تامّة ولكن لم يمكن إظهاره وبيانه لمفسدة في الإظهار والبيان ، وهذه المفسدة لا تكون كاسرة لمصلحة الحكم الواقعي ، غايته أنّ المولى بعد لحاظه المفسدة في الاظهار والبيان يكون سكوته عن إظهار ذلك الحكم تفويتاً على المكلّفين مصلحة ذلك الحكم الواقعي ، لكنّه تفويت قهري فلا يكون قبيحاً على المولى ، ويكون المكلّفون معذورين في ذلك لعدم علمهم بالحكم الواقعي ، وحينئذ يكون أخذهم بذلك العموم حكماً ظاهرياً محقّقاً لعذرهم بالنسبة إلى مخالفة الحكم الواقعي في ناحية الخاصّ لعدم علمهم بمراد المولى ، ويكون الحاصل من مجموع ذلك من قبيل ما عن المحقّق الطوسي في حقّ صاحب الأمر ( أرواحنا فداه ) من أنّ وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر ومنعه منّا (٢)
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٣٧.
(٢) كشف المراد : ٣٦٢ [ لا يخفى أنّ الموجود في بعض النسخ : وعدمه منّا ، وفي بعضها الآخر : وغيبته منّا ].