وحاصل الأمر : أنّ المفسدة المانعة من إظهار الحكم الواقعي الذي هو على طبق الخاصّ لا توجب الخدشة في مصلحته الواقعية ، وأقصى ما فيها أن تكون مصحّحة لسكوت المولى عن بيانه ، ولمعذورية المكلّفين في مخالفته والأخذ في مورده بمقتضى عموم العام ، ولازم ذلك هو كون حكم العام في حقّهم في مورد الخاص حكماً ظاهرياً.
ثمّ لا يخفى أنّ هذه الجهة التي أفادها قدسسره ـ أعني كون مفسدة البيان كاسرة لمصلحة الواقع ـ لو تمّت لكانت جهة أُخرى مانعة من جعل الخاصّ المتأخّر مخصّصاً للعام المتقدّم غير جهة تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بل إنّ هذه الجهة لو تمّت لكانت جارية في كلّ خاصّ متأخّر عن صدور العام حتّى لو كان ذلك الخاصّ صادراً قبل حضور وقت العمل بالعام ، فإنّ العام الصادر قبل حضور وقت العمل به المقرون بالمفسدة في إظهار الخاصّ معه يكون حكماً واقعياً ، ونظراً إلى أنّ المفسدة في إظهار الخاصّ تكون كاسرة لمصلحته لابدّ أن نقول إنّ صدور الخاصّ بعده ولو قبل حضور وقت العمل بالعام يكون ناسخاً ورافعاً لحكم العام في مورد الخاصّ ، فيلزم عليه الالتزام بالنسخ قبل وقت العمل ، وأن لا يكون الخاصّ المتأخّر عن الخطاب بالعام مخصّصاً ، بل لابدّ أن يكون ناسخاً بقول مطلق ، سواء كان صدوره قبل حضور وقت العمل بالعام أو كان صدوره بعد ذلك فتأمّل. وقد حرّرنا ذلك كلّه وأوضحناه وشرحناه في مبحث العموم والخصوص (١) عند تعرّض شيخنا قدسسره لهذه المسألة هناك ، فراجع وتأمّل.
والانصاف : أنّ هذه المخصّصات التي كان زمان ظهورها متأخّراً كزمان العسكري عليهالسلام بعد انسداد باب احتمال كونها ناسخة للعام يحتمل فيها وجوه ثلاثة
__________________
(١) راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣٥٩ وما بعدها.