من ان النفس الناطقة لا تنام بتة ، لانها في وقت النوم تترك استعمال الحواس الظاهرة ، وتبقى محصورة ليست بمجردة على حدتها ، فتعلم كل ما في العوالم وكل ظاهر وخفي.
ولو كانت هذه النفس تنام لما كان الانسان اذا رأى في النوم شيئا يعلم انه في النوم ، بل لا يفرق بينه وبين ما كان في اليقظة ، الى هنا كلام افينقورس الحكيم.
فان قلت : كلامه مبني على تجردها ، ولم يقم دليل عقلي عليه ، فلعل بناء الحديث على انها جسم سماوي روحاني ، كما قال به اكثر النصارى ، وطائفة من المسلمين ، وعلى هذا فلا دليل على امتناع نومها.
قلت : قوله « ولو كانت هذه النفس تنام ، لما كان الانسان اذا رأى في المنام شيئا يعلم انه في النوم ، بل لا يفرق بينه وبين ما كان في اليقظة » دليل واضح عليه.
فان كل نائم ما دام نائماً مسلوب عنه العلم والادراك : اما لتعطله ، او تعطل الآلة ، فنومها مع علمها اذا رأت في النوم شيئا بأنها في النوم ، لا يجتمعان ضرورة ، مادياً كان النائم ام مجرداً.
وليس كلامنا هنا في تجردها ، بل في عدم نومها ، وهو يثبت بهذا الدليل ، وكيف يصح القول بأن ما خلا الله كائناً ما كان ينام ، مع قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ المجمع على روايته عن العامة والخاصة : عيني تنام وقلبي لا ينام.
فان كان المراد به النفس الناطقة المجردة ، كما هو احد اطلاقيه ، فهو يؤيد قول الحكماء : ان هذه النفس لا تنام.
وان كان المراد به ما هو المفهوم من ظاهر هذا اللفظ في عرف العام ، فهو ما خلا الله جل وعز ، وقد اثبت له عدم النوم.
واعلم ان اطلاق القلب على العقل شايع لغة وعرفاً ، وبذلك فسر في قوله