مرقديهما في شرحه (١) على الصحيفة الكاملة الملقبة بزبور آل محمد ـ عليهم السلام ـ اعلم ان اوليته تعالى وآخرتيه فسرتا بوجوه :
الاول : ان يكون المراد الاسبقية بحسب الزمان ، وهذا انما يتم اذا كان الزمان امراً موهوماً ، كما ذهب اليه المتكلمون ، او بحسب الزمان التقديري ، كما ذكره الطبرسي في مجمع البيان.
اي : لو فرضنا وقدرنا قبل حدوث الزمان زماناً اخر ، كان الواجب تعالى اسبق واقدم ؛ اذ لو قيل بزمان موجود قديم ، يلزم اثبات قديم سوى الواجب ، وهو خلاف ما ذهب اليه المليون من المسلمين وغيرهم ، والاخبار المتواترة من طرق العامة والخاصة ، بل هو من ضروريات الدين ، وجاحده كافر.
وعلى هذا فالمراد بالاخرية انه الموجود بعد الاشياء بأحد المعنيين ، وهذا يدل على انه تعالى ينفي الاشياء جميعاً ثم يوجدها ، كما يدل عليه صريح كلام امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في بعض خطب نهج البلاغة ، فلا عبرة بما يقال من امتناع اعادة المعدوم ، فان دلائلهم مدخولة ضعيفة ، لا تعارض بها النصوص الجلية الواضحة.
اقول : وفيه نظر. اما اولاً ، فلان هذا الكلام من ذلك العلام : اما مبني على انه لا يقول بتجرد النفس ومغايرتها للبدن ، وهو من مثله بعيد ، كيف لا وتجردها مما لا ينبغي ان يشك فيه عاقل ، لكونه مما قد قامت عليه البراهين العقلية ، واشارت اليه الكتب السماوية ، وشهدت له الاخبار النبوية.
او على انه يقول به ، ولكنه يقول : انها تفنى بفناء البدن ، وهو ايضا منه بعيد بل ابعد ؛ لان كل من قال بتجردها ومغايرتها للبدن ، قال : بأنها لا تفنى بفنائه ، ومع ذلك فهو مخالف لكثير من الايات والروايات الدالة على بقائها بعد خرابه ما دامت في عالم البرزخ.
____________
(١) المسمى بالفرائد الطريفة في شرح الدعاء الاول « منه » وهذا الكتاب مطبوع بتحقيقنا.