وبالاعتبار الثاني قيل : هو الفضائل كلها من حيث انه لا يخرج شيء من الفضائل عنه.
وبيانه : ان الفضائل كلها ملكات متوسطة بين طرفي افراط وتفريط ، فالمتوسط منها هو العدل ، كالحكمة النظرية المتوسطة بين الجربزة والغباوة ، والعفة المتوسطة بين خمود الشهورة والفجور ، والشجاعة المتوسطة بين الجبن والتهور ، والسخاء بين التبذير والبخل ، والتواضع بين الكبر والذل ، والاقتصاد بين الاسراف والتقتير ، والانصاف بين الظلم والانظلام ، وقس على ذلك سائر الاخلاق الفاضلة.
فالاوساط بين هذه الاطراف المتضادة هي الفضائل ، ولكل منها طرفا تفريط وافراط هما مذمومان ، والخروج الى احدهما هو الجور الذي هو ضد العدل ، والاطراف المتضادة هي الرذائل ، ومن هنا قيل : خير الامور اوسطها.
ثم هذا الحكم في العدل جار في باب العقائد ايضا ، كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والشرك ، والتعويل على الامر بين الجبر والتفويض ، وفي باب الاعمال كأداء الواجبات والسنن المتوسط بين البطالة والترهب ، وفي باب الاقوال كالبلاغة المتوسطة بين العي والهذر.
والذين يجب على الانسان استعمال العدل معهم خمسة :
الاول : رب العزة تعالى وتقدس ، وذلك بمعرفة توحيده واحكامه والقيام بها.
الثاني : قوى النفس ، وذلك بأن يجعل هواه مستسلماً لعقله ، فقد قيل : اعدل الناس من انصف عقله من هواه.
الثالث : اسلافه الماضون في انفاذ قضاياهم والدعاء لهم.
الرابع : معاملوه واحباؤه في اداء الحقوق ، والانصاف في المعاملات من المبايعات والمقارضات والكرامات.
الخامس : عامة الناس على سبيل الحكم ، وذلك اذا تؤتى الحكم بينهم.