وجودهم وبقائهم فرادى ومجتمعين.
ومن هناك تظهر نكتة توجيه الخطاب إلى الناس دون المؤمنين خاصة وكذا تعليق التقوى بربهم دون أن يقال : ( اتَّقُوا اللهَ ) ونحوه فإن الوصف الذي ذكروا به أعني قوله : ( الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) « إلخ » يعم جميع الناس من غير أن يختص بالمؤمنين ، وهو من أوصاف الربوبية التي تتكفل أمر التدبير والتكميل لا من شئون الألوهية.
وأما قوله تعالى : « الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » « إلخ » فالنفس على ما يستفاد من اللغة عين الشيء يقال : جاءني فلان نفسه وعينه وإن كان منشأ تعين الكلمتين ـ النفس والعين ـ لهذا المعنى ( ما به الشيء شيء ) مختلفا ، ونفس الإنسان هو ما به الإنسان إنسان ، وهو مجموع روح الإنسان وجسمه في هذه الحياة الدنيا والروح وحدها في الحياة البرزخية على ما تحقق فيما تقدم من البحث في قوله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ) الآية : « البقرة : ١٥٤ ».
وظاهر السياق أن المراد بالنفس الواحدة آدم عليهالسلام ، ومن زوجها زوجته ، وهما أبوا هذا النسل الموجود الذي نحن منه وإليهما ننتهي جميعا على ما هو ظاهر القرآن الكريم كما في قوله تعالى : ( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) ، : « الزمر : ٦ » وقوله تعالى : ( يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ) : « الأعراف : ٢٧ » ، وقوله تعالى : حكاية عن إبليس : ( لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) : « إسراء : ٦٢ ».
وأما ما احتمله بعض المفسرين أن المراد بالنفس الواحدة وزوجها في الآية مطلق الذكور والإناث من الإنسان الزوجين اللذين عليهما مدار النسل فيئول المعنى إلى نحو قولنا : خلق كل واحد منكم من أب وأم بشرين من غير فرق في ذلك بينكم فيناظر قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) : « الحجرات : ١٣ » ، حيث إن ظاهره نفي الفرق بين الأفراد من جهة تولد كل واحد منهم من زوجين من نوعه : ذكر وأنثى.
ففيه فساد ظاهر وقد فاته أن بين الآيتين أعني آية النساء وآية الحجرات فرقا بينا فإن آية الحجرات في مقام بيان اتحاد أفراد الإنسان من حيث الحقيقة الإنسانية ،